معركة كوباني بعد ستة أعوام.. شهادات من أذهان عايشت الأحداث
كوباني – نورث برس
بعد ستة أعوامٍ، لا تزال ذكريات الحرب حاضرة في أذهان كلّ من عايش معركة كوباني، شمالي سوريا، في مواجهة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، ولا تزال آثار الحرب شاهدة على حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة.
“من جهة الحدود”
في مثل هذا التوقيت من أيلول/سبتمبر 2014 شن تنظيم “داعش” هجوماً واسع النطاق على مدينة كوباني وتمكن من السيطرة على معظم القرى المحيطة بالمدينة.
وفرض التنظيم حصاراً على مدينة كوباني من الشرق والغرب والجنوب، الأمر الذي تسبب بنزوح مئات الآلاف من سكان المنطقة باتجاه الحدود، عبر معظمهم إلى تركيا.

يقول دوريش بوزان (59 عاماً) من سكان قرية سرزوري، شرق مدينة كوباني على الحدود التركية، إن عناصر التنظيم هاجموا قريتهم قادمين من جهة الحدود.
في البداية دخل المهاجمون إلى قرية “ده ناييك”، التي تبعد /600/ متراً عن الحدود التركية، ومن هناك بدؤوا بالتسلل إلى قرية سرزوري، “لو لم تسمح لهم تركيا لما حدث الهجوم.”
“سرسوزري”
وفي الـ/16/ من الشهر ذاته، وصل عناصر التنظيم بدباباتهم إلى مشارف القرية ليصطدموا بمقاومة قاسية من مقاتلي وحدات حماية الشعب المتحصنين في مدرسة القرية بأسلحتهم الخفيفة.
حينها تحصّن /11/ مقاتلاً من وحدات الحماية في البناء المدرسي وقرروا بمقاومة التنظيم حتى النهاية رغم إدراكهم بعدم التكافؤ في العدة والعتاد بين الطرفين.
واعتُبِرت معركة سرزوري، الأعنف بين وحدات الحماية وتنظيم “داعش”، حيث واجه المقاتلون عناصر التنظيم حتى أنفاسهم الأخيرة، بعد محاصرة المدرسة وقصفها بالدبابات.
ويلفت “بوزان” إلى أنه بعد سيطرة التنظيم على “سرزوري” ، بدأ بقصف قرية “زره” غربها وبعدها دخل إلى قرية “خانه” ثم “عيدانيه” و”بغديك”.
وقال إن التنظيم كان يهدف للسيطرة على كافة القرى الحدودية لمحاصرة المنطقة من كافة الاتجاهات، ولأسر عدد كبير من المدنيين كي يكرر ما فعله في شنكال.
نزوح واعتقال
ولم يكن الأمر مختلفاً في الجبهات الغربية من كوباني، حيث دفعت المعارك معظم سكان المنطقة إلى مغادرة قراهم بعد قصف منازلهم من قبل التنظيم.
واضطر نديم الأحمد (52 عاماً)، وهو من سكان قرية مناز، في الـ/19/ من الشهر نفسه، إلى النزوح باتجاه المنطقة الحدودية برفقة أهالي قريته.
يقول: “بعد تقدم عناصر داعش في المنطقة، تم إخطارنا بالخروج من قريتنا التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن كوباني.”
في ذلك اليوم، فقد عشرة مقاتلون من وحدات حماية الشعب حياتهم أثناء محاولتهم صدّ تقدم عناصر التنظيم الذين استقدموا دباباتهم وأسلحتهم الثقيلة قرب قريتي “دولي” و”مومان” القريبتين من “مناز”.
وفي اليوم التالي، عاد عدد من سكان “مناز” إلى قريتهم، ظناً منهم أن مقاتلي وحدات الحماية لا يزالون موجودين في القرية، ولكنهم تفاجؤوا بسيطرة التنظيم على القرية.
وتعرّض ثمانية أشخاص من القرية للاعتقال، خمسة منهم لا يزالون مجهولي المصير، “اعتقلوا ابني وشقيقين لي واثنين من أولاد خالي وثلاثة من أبناء قريتي”، يقول “الأحمد”.
وخلّفت المعارك التي دارت بين وحدات حماية الشعب وتنظيم الدولة الإسلامية دماراً واسعاً في منازل وممتلكات المدنيين بقرية “مناز”.
الحي الأخير
وذكر “الأحمد” أنه بقي أثناء اشتداد المعارك داخل مدينة كوباني قرب المنطقة الحدودية يترقب الوضع عن كثب، وذلك بعد سيطرة التنظيم على معظم القرى المحيطة بها.
وكانت وحدات حماية الشعب حينها محاصرة في حي الجمارك داخل مدينة كوباني قرب المعبر الحدودي مع تركيا، وأبدت مقاومة قوية ضد التنظيم الذي سيطر على أجزاء كبيرة من المدينة.
/100/ مقاتل
وبقي نحو /100/ مقاتل من وحدات حماية الشعب ممن قرر القتال حتى النهاية للدفاع عن المدينة وعدم تسليمها للتنظيم المتشدد.
بينما استمر التنظيم بمحاولة السيطرة على الحي للوصول إلى المعبر الحدودي مع تركيا حيث كانت المعارك متواصلة ليلاً نهاراً، حسب ما يذكر “الأحمد.”
وجهاً لوجه
ويقول رضوان موح (51 عاماً)، من سكان مدينة كوباني، إن المعارك التي جرت في المدينة كانت عبارة عن “حرب شوارع.”
وواجه مقاتلو وحدات حماية الشعب عناصر التنظيم في منازل متجاورة، حيث كانوا يقومون بثقب جدران المنازل متقاتلين وجهاً لوجه.
سيارات مفخخة
واعتمد عناصر التنظيم، أثناء المعارك في مدينة كوباني، على استخدام سياراتٍ مفخخة وانتحاريين لانتزاع السيطرة على المدينة.
ويتذكر “موح” كيف جهّز عناصر التنظيم سيارة مفخخة كبيرة مليئة بأسطوانات الغاز، لتفجيرها قرب البوابة الحدودية في إحدى أيام اشتداد المعارك.
وقبل وصول المفخخة إلى هدفها في المعبر الحدودي، تمكن المقاتلون من استهدافها، حيث تسبب انفجارها بتدمير المشفى والأبنية القريبة من المعبر بسبب حِملها وسرعتها الزائدة.
مشاركة مدنيين
وشارك في المعارك التي دارت في شوارع كوباني، عدد من المدنيين من سكان المدينة، ممن بقوا واستطاعوا حمل الأسلحة لمواجهة تنظيم داعش إلى جانب مقاتلي وحدات الحماية.
ويلفت “موح” إلى أن الكثير من المدنيين فقدوا حياتهم خلال تلك المعارك، حيث اضطروا إلى دفن جثثهم قرب البوابة الحدودية مستخدمين أبواب المنازل لتغطية جثامينهم.
ونشر عناصر التنظيم على الإنترنيت حينها، بأنهم سيقيمون صلاة العيد في مساجد كوباني، ما دفع “موح” ومجموعة من رفاقه المدنيين إلى أداء صلاة العيد ونشر صورهم لإظهار استمرار مقاومة المقاتلين.
وبدأت وحدات حماية الشعب تحرز تقدماً لافتاً في مواجهة عناصر التنظيم، وخصوصاُ بعد مساندة جوية من التحالف الدولي وووصول مقاتلين من قوات البيشمركة من إقليم كردستان العراق.
يقول “موح” إنه وبعد تراجع عناصر التنظيم رأى في شوارع كوباني عدداً كبيراً من جثث عناصر التنظيم ممن قتلوا خلال المعارك.
ويشير إلى أنه قام بترحيل أكثر من /400/ جثة لعناصر التنظيم في الحي الذي يقطنه بمدينة كوباني إلى خارج المدينة ودفنها هناك.
مشاهد مؤلمة
ويتذكر الرجل الخمسيني أيضاً قيام أحد مقاتلي وحدات حماية الشعب بتشييع شقيقته المقاتلة ضمن صفوف وحدات حماية المرأة والتي فقدت حياتها أثناء المعارك.
يقول إنه سمع كلمات المقاتل المؤثرة أثناء دفن شقيقته وحديثه عبر الهاتف مع ذويه عن تفاصيل استشهادها ودفنها قرب البوابة الحدودية.
ويضيف إن معركة كوباني تركت، بالإضافة إلى الدمار الذي حلّ بالمدينة، الكثير من المشاهد “الفظيعة” والقصص المؤلمة التي لا يمكن للسكان نسيانها.
وكان تحليل أجرته الأمم المتحدة لصور التقطتها الأقمار الاصطناعية، قد أشار إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف مبنى دمّر أو أصيب بأضرار كبيرة جراء القتال الذي استمر نحو أربعة شهور في كوباني.