“روجآفا”.. وحيدة في مواجهة كورونا
حتى مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، حين كان فيروس كورونا يجتاح دول العالم، كانت مناطق شمال شرقي سوريا شبه خالية من الفيروس.
لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً إذ سُجّلت ثلاث إصابات في منتصف الشهر ذاته، لتكون المنطقة ذات الإمكانات الضعيفة جداً، وحيدةً في مواجهة الجائحة، فعلياً، منذ تموز/يوليو الماضي.
تفشي الوباء.. وفك الحظر
بوتيرة سريعة، تضاعفت حالات الإصابة بفيروس كورونا في شمال شرقي سوريا، وذلك بعد انتهاء إجراءات احترازية فرضتها الإدارة الذاتية استمرت لثلاثة أشهر متتالية.
وبدأت إجراءات حظر التجول والإغلاق في المرحلة الأولى في الـ/23/ من آذار/مارس، وانتهت في الـ/16/ من حزيران/يونيو، بتسجيل 3 إصابات توفيت إحداها وتماثلت اثنتان للشفاء.
لكن ومع تسجيل إصابات جديدة بعد نحو شهر من فك الحظر، أعلنت السلطات المحلية إغلاقاً كاملاً في الـ/13/ من تموز/يوليو، وانتهى في الـ/27/ من آب/أغسطس الفائت.
وجاء القرار بفك الحظر بعد “تيقّن” مسؤولين في الإدارة الذاتية من “عدم جدوى الإغلاق” في ظل تفشي الوباء ووصول عدد المصابين المسجلين للمئات.
ووثّق مُعدّا التحقيق عشرات الحالات، عبر اتصالات هاتفية مع عائلات أُصيب معظم أفرادها بالفيروس والتزموا منازلهم ولم يتم تسجيلهم في بيانات الصحة.
وتقول هيئة الصحة إن الأرقام التي يتم إعلانها تعتمد على فحوصات PCR فقط، ولكن هناك “الكثير من الأشخاص المصابين والمخالطين دون أن يدركوا حملهم للفيروس، وهذا ما سبَّب انتشاراً واسعاً للوباء.”
سبب شبه وحيد
لا يكاد المسؤولون يجدون سبباً لانتشار الفيروس في المنطقة سوى دخول آلاف الأشخاص أسبوعياً إلى قامشلي قادمين من دمشق التي تصدرت البلاد من حيث عدد الإصابات خلال الأشهر الماضية.
وقال الرئيس المشارك لهيئة الصحة، جوان مصطفى، إنه بعد “التحقيقات ثبت أن الفيروس دخل عبر مطار قامشلي.” بعد رحلة علاج بدمشق.
وأضاف: “الحالتان صفر وواحد قدِمَتا عن طريق المطار ولم يخضعا للحجر وتجوّلا في المدينة.”
وأثناء إجراءات حظر التجول والإغلاق في المرحلة الأولى، كانت الفرق الطبية التابعة للإدارة الذاتية تقوم بفحص القادمين من دمشق.
لكن بعد ظهور حالات “تهريب” الأشخاص و”عدم تعاون الحكومة السورية”، توقفت الفرق الطبية عن إجراءات الفحص، لأنها “غير مجدية” بحسب هيئة الصحة.
وقال شاهد عيان أنه أمام البوابة الرئيسية للمطار، كان سائقو سيارات الأجرة ينادون: “لمن لا يرغب بدخول الحجر الصحي فليركب بـ/5000/ ليرة.”
الحكومة.. لا تعاون
قال الرئيس المشارك لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية، جوان مصطفى، إنهم رفعوا الحظر بعد اقتناعهم بأن الحظر الداخلي لا يجدي لأن “المسؤولين في مطاري دمشق وقامشلي لم يتعاونوا مع الإدارة الذاتية.”
كما أن الوضع الاقتصادي الذي “عَصَفَ” بشمال شرقي سوريا، نتيجة انهيار قيمة الليرة وموجة الغلاء، دفعا باتجاه إلغاء الحظر، “تلمّسنا تفاقم الوضع المعيشي في ظل تطبيق الحظر.”
لكن مطار قامشلي الذي تسيطر عليه الحكومة السورية لم يخضع لقرارات الإغلاق واستمرَّ تنقل السكان من وإلى المدينة.
ونشرت نورث برس في وقت سابق تحقيقاً صحفياً وثَّق الحالات التي وصلت إلى مدينة قامشلي عبر مطارها دون الخضوع للفحص الطبي والحجر.
ويستقبل مطار قامشلي أسبوعياً ست رحلات عبر طائرة الشحن “إليوشن” بالإضافة إلى رحلتين للسورية للطيران ورحلتين لشركة أجنحة الشام، بمعدل /3500/ شخص يدخلون المدينة.
ولا تسمح القوات الحكومية للإدارة الذاتية بالدخول إلى المطار لإجراء الفحوصات للمسافرين، حيث يسلك معظمهم طرقاً غير رسمية للتهرّب من الفحص الطبي، بحسب مسؤولين.
ولم يتسنَ لمعدَّي التحقيق التواصل مع المسؤولين في مطار قامشلي لمعرفة وجهة نظرهم حول الاتهامات الموجهة لهم.
وغالباً لا يردُّ المسؤولون في المؤسسات الحكومية على أسئلة الصحفيين في المنطقة، إلا في حالات نادرة أو لوسائل إعلام تديرها حكومة دمشق.
“شكوك” قبل التفشي
أقرّت الإدارة الذاتية بوجود العديد من المشتبهين بإصابتهم نتيجة مخالطتهم للمصابين لتبدأ “مرحلة جديدة من مواجهة الفيروس.”
وكان من “المُلفِت” في تلك الفترة ازدياد أعداد مرضى ذات الرئة بحسب الأخصائي في الأمراض الصدرية، عمر حسو.
يقول الطبيب الذي يدير عيادة في قامشلي: “كنتُ استقبل يومياً ثلاثة إلى أربعة مرضى ممن يعانون من ذات الرئة، وعند الاستفسار تبيَّنَ أنهم كانوا قد قَدِموا مؤخراً من دمشق عبر المطار دون فحوصات.”
وما زادَ من شكوك “حسو” هو أن مرض “ذات الرئة” مرض شتوي وأن أعداد المصابين ارتفعت خلال فصل الصيف.
تكاليف باهظة
عند الاشتباه بحالات الإصابة بالفيروس، تتبع فرق الطوارئ التابعة للهلال الأحمر الكردي آلية إبقاء المصاب في المنزل حتى تكتمل أعراض الإصابة.
وقال فرحان سليمان، مدير فريق الطوارئ في إقليم الجزيرة، إنهم يتابعون وضع المريض عبر الهاتف إلى أن تثبت الإصابة وتظهر عدة أعراض وذلك بعد مرور /5/ أيام في الحالة الطبيعة.
وليس هناك في مناطق شمال شرقي سوريا سوى /17/ مركزاً للحجر الصحي ويحتوي كلُّ مركزٍ على /25-60/ سريراً مخصصاً للحالات المتوسطة والحرجة، كذلك ليس هناك سوى نحو /55/ منفسة في المنطقة برمتها.
وبحسب هيئة الصحة فإن هذه الإمكانات لا تكفي أبداً، لذلك فهم يحاولون باستمرار استيراد الاحتياجات اللازمة “تحضيراً لفصل الشتاء (…). نتوقع ازدياد الإصابات في هذا الفصل.”
وبحسب جوان مصطفى، الرئيس المشارك لهيئة الصحة، فقد أنفقوا منذ مرحلة الحظر الأولى وحتى الآن نحو /3/ مليار ليرة سورية على المستلزمات الطبية، “فحتى الآن، جرى فحص أكثر من /1000/ شخص بواسطة جهاز PCR، وتقدَّر تكلفة كلّ فحصٍ بنحو /70/ دولاراً أميركياً”.
وتعمل الإدارة الذاتية حتى الآن على معالجة المصابين بشكل مجاني، ويؤكد “مصطفى” أن “جميع مصاريف العلاج ستكون مجانية، وذلك لسوء الوضع المعيشي لسكان شمال شرقي سوريا.”
حظر شكلي
بالرغم من إعلان الإدارة الذاتية إجراءات منعت بموجبها التجمعات إلا أن حسابات رسمية تابعة للإدارة نشرت في نفس الفترة صوراً لاجتماعات وحفلات ونشاطات ثقافية، تظهر عدم التقيد بالإجراءات.
ورغم فرض حظر التجول، لكن الإصابات استمرّت بالارتفاع، حيث بلغت /397/ حتى الـ/25/ من حزيران/يونيو الماضي.
ولُوحِظ عدم تقيّد السكان بالحظر المفروض وسط “تراخي” الإدارة الذاتية في تطبيق قرارات الحظر التي أصدرتها.
وقال “جوان مصطفى” إلى أنهم انتقلوا من مرحلة منع دخول الفيروس للمنطقة إلى مرحلة التعامل والتعايش مع الفيروس، بحسب تعبيره
وتعتمد “الاستراتيجية” على وعي السكان للتعايش مع الفيروس وطرق الوقاية منه.
وباء اقتصادي
وأثقلت إجراءات الإغلاق كاهل السكان من الناحية الاقتصادية، حيث تعتمد نسبة كبيرة منهم على العمل اليومي لتأمين حاجاتهم.
وقال سائق سيارة أجرة في قامشلي، اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ”أبو شيرو”، إنه اضطر خلال فترة الحظر للعمل بشكل سري ليؤمِّن قوت يومه، “صحيح كان هناك حظر ولكننا اضطررنا للتعايش معه وتأمين قوتنا اليومي.”
ويواجه السكان صعوبات كثيرة في الالتزام بإجراءات الحظر الوقائية في ظل الظروف الاقتصادية التي تشهدها سوريا عموماً، بعد تطبيق الولايات المتحدة الأميركية لقانون العقوبات “قيصر” والذي ساهم في تأزّم الوضع المعيشي.
“وحدنا” في المواجهة
أرسلت حكومة إقليم كردستان العراق خلال الأشهر الماضية ستة أجهزة فحص إلى هيئة الصحة في شمال شرقي سوريا، بالإضافة إلى شحنات مستلزمات طبية مختلفة.
وشدد جوان مصطفى على أن: “التحالف الدولي والروس لم يقدموا أي دعم لجهود مكافحة انتشار الفيروس في مناطقنا.”
أما منظمة الصحة العالمية، فقدّمت بين الحين والآخر دعماً للقطاع الصحي في الإدارة الذاتية، وغالباً ما يكون هذا الدعم عن طريق حكومة دمشق التي أشارت تقارير إعلامية عديدة إلى “تلاعبها” بالمساعدات المقدمة إلى “روجآفا”.
وقال جوان مصطفى إن “الدعم الذي قدمته منظمة الصحة العالمية لم يكن كافياً لمواجهة الفيروس.”