دفاعاً عن الدكتاتور

 نبيل الملحم

سلطة رابطة المافيات-الميليشيات، تلك هي السلطات العربية، ليس من بينها دكتاتوريات ممهورة بختم نابليون بونابرت، ولا حتى حصانه وقد منحه رتبة كومندان.. مع ذلك ترتفع أصواتهم بالقول:

أنا القانون.

بونابرت قالها: أنا القانون.

ربما قالها وهو يلتفت إلى الوراء، تاركاً في هذا (الوراء) أمجاداً إمبراطورية، سمحت للبونابرتية أن تغدو مصطلحاً فلسفياً لن يندمل تحت غبار التاريخ.. الرجل قالها، سوى أنه ما بعد هزيمة “واترلو”، اتكأ على منفاه، وبكى.

بونابرت بكى.

ومن يقرأ رسائله لجوزافين يعرف تمام المعرفة بأن الإمبراطوريات العظمى، بل الأباطرة العظماء، ليسوا (زعران) التاريخ، هم بشر، يذهبون في الرؤى إلى حيث تكسرهم رؤاهم في سباق مع الموت، حتى لا تعود البشرية سوى لترى ما يرون.

كان ذلك حال “البونابرتية” التي نلعنها، ملصقين بها صفات ليست منها، ذلك أن (بونابرتيينا) ليسوا سوى (زعران).

هو الأمر كذلك وبالوسع اجتراح الذاكرة القريبة، لبونابرتيين مهنتهم السطو.. السطو فقط:

السطو على الحريات.

السطو على رغيف الناس.

وبيع الأوطان.

وهل ثمة بلد عربي لم يبعِ؟

آخر أخبار الرئيس المخلوع عمر البشير، أنه سطا على زوجة من زوجات أحد ضباطه، ثم سجن ضابطه بعد أن أعلن موته، ليظهر (الميت) منذ أيام معلنًا أنه ما زال على قيد الحياة.

انشغل الرئيس الراحل معمّر القذافي، بوزيرة الخارجية السمراء كونداليزا رايس، وأفرد لها معرضاً من الصور الفوتوغرافية آملاً بليلة حمراء.. لم ينشغل بهزائمه في تشاد، ولا بموت آلاف الشبّان هناك.

استعذب الرئيس الراحل بوتفليقة الكرسي المدولب، ولم يغادره حتى غادر الحياة، تاركاً الجزائريين في مخاض.

لم يطمئن حافظ الأسد على دولته إلاً بعد أن أخذ عهداً من مصطفى طلاس بدعم توريث الابن، ليذهب الابن إلى العصابة-المافيا، فيحوّل البلاد إلى (متجر) و (مقبرة).

زغرد صدام حسين لمعارك الأنفال، وعجز وارثوه حتى اللحظة عن إحصاء المقابر الجماعية التي دفن فيها الكُرد (لمجرد أنهم كُرد).

نحكي عن الأموات، أولئك (البونابرتيون)، الذين لم يتركوا رسائل عشق.. لم يبكوا، ولم يعتذروا، ولم ينتحروا، وكان طاغية مثل (هتلر) قد أبلغ وزيره رومل:

المهزوم ينتحر.

وانتحر الرجل، تاركاً وراء حلماً إمبراطورياً، عنوانه:

يا ألمانيا العظيمة.

وحين ذهب جوزيف ستالين إلى الحرب، عمل معجزة (ستالينغراد)، المدينة التي حملت اسمه لما بعد الغلاسنسوت والبيروسترويكا، ولم تنسَ روسيا أنه الرجل الذي نقل بلاده من المحراث الروماني إلى الكهرباء، وبطبيعة الحال ليس بوسع ضحاياه نسيان الدماء التي حملتها أيديه.. دماء ضحايا معسكرات الاعتقال، وقتل الخصوم.. ولكنه دكتاتور، يليق به اللقب، كما يليق بـ “تحوتمس” الفرعون المصري الذي ترك وراءه شعار:

لا أريكم إلاّ ما أرى.

حتى تشاوشيسكو، وهو دون ريب دكتاتور، هذا الدكتاتور، جعل من (بوخارست تحت الأرض)، ما يساوي (بوخارست فوق الأرض)، وليس بالأمر السهل نسيان أنه الرجل الذي رفع سطوة الاتحاد السوفييتي عن بلاده، متحصّناً باستقلالها عن (التبعية/الاحتواء).

هل نتذكر فيديل كاسترو؟

ستمائة محاولة اغتيال تعرّض لها الرجل.. يا له من رقم فظيع، وكان قد خاض حرب خليج الخنازير، ومن بعدها كان (العظمة) التي لا يمكن ابتلاعها، دون نسيان أنه محاور (وبجدارة) لغابرييل غارسيا ماركيز، ولنتصور أن لقاء جمع بشار الأسد، أو علي عبد الله صالح، مع روائي بحجم غابرييل غارسيا ماركيز.. ترى كيف سيكون حال الحوار؟

لنتصور لقاء يجمع عبد الفتاح السيسي بغابريل غارسيا ماركيز.. ترى كيف سيكون حال الحوار؟

نلعن الطغيان، نعم نلعنه، ربما لأننا لم ندخله من بوابته.. لقد دخلناه من زواريبه، فأعظم ما عرفناه من الطغاة، طاغية يسطو على مؤسسة حصر التبغ والتنباك.. على مناقصة لتصريف المياه، على إشادة سجن أو كاباريه، فليس من بين من عرفناهم جنيكز خان وقد منع قتل أفراد دولته لبعضهم بعضاً، كما منع شهادة الزور وخيانة الأزواج، ثم مدّ ذراعه ليطال بسيفه الإمبراطورية المغولية وقد امتدت من روسيا إلى آسيا الوسطى بما فيها إيران وأفغانستان، وكان قد قالها لخصومه:

أنا عقاب الله المُرسَل، ولم يكن الرب قد أرسلني إليكم لو لم ترتكبوا آثاماً فظيعة.

وقبل أن يموت أوصى أن لا يعرف أحد مكان قبره حتى لا يقلقه (النوّاحون)، ولا يسطو عليه الأعداء.

للدكتاتور سيرة، هو ذا الحال، حتى شكسبير اشتغل على يوليوس قيصر، فأي سيرة لمن تنعتوهم بـ:

الدكتاتوريين؟

لا سيرة لهم، مجمل سيرة دكتاتوريي الأنابيب الذين يعيشون (فوقنا):

زعران.. اتحاد لصوص ومافيات.

تعالوا نتوقف عن نعت أي منهم بـ:

الديكتاتور.