مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وجه كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لبعضهما البعض انتقادات على نطاق واسع حول السياسة الخارجية. ورغم أن كلا الحزبين لا يملكان أي استراتيجية شاملة حول سوريا، فكل منهما لديه طريقته في التعامل من حيث الأهداف الغامضة والمناورات العنيفة، فقد ادعت إدارة ترامب بأن الأهداف الأميركية في سوريا تتضمن الهزيمة المتواصلة لداعش وإنهاء الوجود الإيراني وتأثيره على الدولة وحلٍّ آمن للصراع بين الأطراف المتنازعة بالاعتماد على قرار مجلس الأمن رقم (2254). مع العلم أن المسار الحالي للصراع الذي تم رسمه من قبل المسؤولين الأمريكيين قد جعل من هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق تقريباً.
ورغم فقدان داعش آخر معاقلها في آذار 2019، في سوريا، إلا أن هذه المجموعات لاتزال نشطة، حيث أدى الاسترضاء الأمريكي لتركيا إلى إيقاف الجهود الرامية للقضاء عليه.
وتم الفترة الماضية استهداف العديد من العناصر الإرهابية، ومن ضمنهم القائد السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي، داخل الأراضي التي تم احتلالها من قبل تركيا، مما يطرح سؤالاً عن سبب تمكنهم من العمل هناك بالأصل؟.
كما تبع الاحتلال التركي لمناطق سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض في تشرين الأول 2019 ازديادٌ في عدد الهجمات من قبل التنظيم داعش الإرهابي، مما ألزم قوات سوريا الديمقراطية على تحويل جهودها الرامية إلى توطيد الأمن والاستقرار في المناطق المحررة مؤخراً للدفاع عن الحدود.
أما بالنسبة لإيران، فلم تفعل السياسة الأمريكية الكثير بل زادت من حدة التوترات في المنطقة وأضرت بالمدنيين الضعفاء. فإيران قريبة من سوريا وهي حليف لحكومتها، فالسياسة والجغرافية البسيطة يجعل منها أكثر التزاماً بنتائج الحرب السورية مما يمكن أن تفعله أي قوة خارجية أخرى.
إن التعامل مع سوريا على أنها امتداد للضغوط القصوى في حملتها ضد إيران، كما فعل بعض مسؤولي إدارة ترامب، قد دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التقليل من شأن التأثيرات السلبية على الدول الإقليمية المجاورة بينما هي تمارس التصعيد العسكري الخطير.
لقد كان وضع قرار مجلس الأمن رقم (2254) خطأً منذ البداية. فهو لم يتضمن قوات سوريا الديمقراطية ولا الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والذي يعتبر إقصاءً لثلث مساحة الدولة وثاني أقوى قوة عسكرية فيها.
لقد حققت اللجنة الدستورية التي تم وضعها من قبل القرار، أدنى مستوى من التقدم، وهي تتضمن ممثلين سياسيين عن جماعات متطرفة الذين هم بالتأكيد معرقلون لأي عملية سلام أو استقرار على الأرض. وقد تجاهلت الولايات المتحدة إلى حد كبير هذه العيوب.
سياسة جديدة دخلت حيز التنفيذ إلى جانب هذه الأهداف واسعة النطاق ألا وهي تطبيق عقوبات قيصر القاسية، حيث يزعم مؤيدون للقانون أنه سيمنع الحكومة السورية من ارتكاب المزيد من الفظائع ضد المدنيين. لكنه في الحقيقة، أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية مما جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للعائلات السورية وقدرتها على تأمين الطعام وسط انتشار الوباء العالمي.
وسعى محللون وصناع القرار السياسي لصرف اللوم عن الحرمان الاقتصادي بأنه المسبب للضرر على المواطن. قائلين بأن هذا المسار الفاشل لن يتم تكراره في أي وقت. ويبدو هذا يلبي حاجة الولايات المتحدة الأمريكية ليظهرها على أنها اتخذت الإجراء الأقل تكلفة دون الاهتمام لتأثيراته.
من الواضح أن سياسة إدارة ترامب في سوريا ليست بالسياسة الفاعلة والمتماسكة. إلا أنه من الممكن لإدارة بايدن المحتملة أن ترتكب نفس الأخطاء إلى حد ما. فقد وعد بايدن بأنه “سوف يقف مع المجتمع المدني وشركائه المؤيدين للديمقراطية على الأرض، والضغط على اللاعبين الفاعلين لتحقيق الحلول السياسية وحماية السوريين المستضعفين وتيسير أعمال المنظمات الإنسانية الغير حكومية والمساعدة في تعبئة دول أخرى من أجل العمل على إعادة تعمير سوريا” وكل هذا من بين أهدافه الغامضة.
ولا تشير أي من هذه الاقتراحات إلى سياسة جديدة وواضحة، بل يشير الخطاب العام عن الديمقراطية والمجتمع المدني إلى نمط لدعم عملية الأمم المتحدة للسلام ودعم المعارضة السائدة وذلك على غرار وجهة النظر الأمريكية الحالية.
يريد العديد من مستشاري بايدن والخبراء ذوي الميول الديمقراطية أن تتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر تشددًا ضد الحكومة السورية، على الرغم من تاريخهم الطويل في دعم الجماعات المتمردة ذات الميول الجهادية. الديمقراطيون يدعمون العقوبات الصارمة على سوريا، مثلهم مثل الجمهوريين، فلم يطرحوا بدائل يمكن لها أن تحاسب مرتكبي جرائم الحرب دون الإضرار بالمدنيين.
إذا تولت إدارة جديدة السلطة في كانون الثاني (يناير) 2021، أو اختار المسؤولون الحاليون السعي إلى إعادة تعيين السياسة لفترة ثانية، فسيتعين عليهم البدء باتخاذ وجهة نظر أكثر واقعية للصراع، والسعي لضمان توافق المفاوضات الدبلوماسية مع الشروط على الأرض.
وبدلاً من فرض العقوبات والتهديدات من أجل تحقيق أهداف غير قابلة للتحقق، يمكنهم الالتزام بحل سلمي من خلال دعم الأفراد والمؤسسات على الأرض الذين أظهروا بمصداقية قدرتهم على إنشاء حل.