دير الزور – نورث برس
لم تمض دقائق على دخول شخصين يحملان مصاباً ملطخاً بدمائه إلى “مشفى السلام” بالريف الغربي لدير الزور، شرقي سوريا، حتى امتلأ المشفى بمسلحين، انهالوا على الطاقم الطبي بالصراخ للإسراع في معالجته و”إنقاذه”.
وللوهلة الأولى بدا المشهد غريباً، لكن ممرضين في المشفى قالوا إنهم اعتادوا على مثل هذه الحوادث التي تتكرر باستمرار.
وتنتشر في مناطق دير الزور ظاهرة حمل السلاح بكثرة بين السكان من مختلف الفئات العمرية.
“اقتتال وأخطاء”
وعند محاولة معرفة سبب إصابة ذاك الشاب الذي لم يكن يتجاوز الـ/18/ من عمره، تكتم المسلحون المرافقون على الأمر.
ويعود عمار الصالح، وهو إداري في المشفى بذاكرته إلى الشهر الفائت، حينما كان الطبيب رياض السيد يقوم بعملية طبية معقدة لأوردة وشرايين أحد المرضى.
وبينما كان الطبيب يجري العملية تفاجأ بشخص يحمل مسدساً، “وخبط على كتفه مطالباً إياه بإعادة المريض إلى ما كان عليه”.
ويقول مبتسماً: “ربما تمدد الطبيب مكان المريض لولا تدخل إدارة المشفى التي أخرجت المسلح من غرفة العمليات”.
ولكثرة السلاح المنتشر بين السكان، تسجل المنطقة الخاضعة لسيطرة مجلس دير الزور العسكري، بين الحين والآخر حوادث قتل نتيجة “اقتتال عشائري” أو “أخطاء” بين أفراد العائلة الواحدة.
وشهدت منطقة الكسرة بالريف الغربي لدير الزور، نهاية آب/أغسطس الفائت، اقتتالاً عشائرياً، قتل على إثرها خمسة أشخاص بينهم نساء وأطفال ناهيك عن عدد من الإصابات.
“تفوق عدد الأفراد”
ورغم وجود السلاح في المنطقة ذات الطبيعة الريفية والعشائرية منذ القدم، لكنه انتشر بشكل كبير خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة، بحسب شهادات لسكان محليين.
وكان تنظيم “الدولة الإسلامية” قد سيطر على الريف الشرقي لدير الزور الجزيرة (شمال الفرات) في حزيران / يونيو 2014.
وفي العام نفسه قتل تسعة أشخاص نتيجة اقتتال عشائري بين عائلة الجحيش الوكاع وحويجة الوكاع بالريف الشرقي لدير الزور. بحسب محمد العساف من سكان قرية الغرانيج.
وأفسح التنظيم المتشدد المجال أمام حركة “تهريب الأسلحة” وبأسعار منخفضة في المناطق الحدودية مع العراق.
وتراجعت تجارة السلاح بعد انحسار التنظيم وخسارته لآخر الجيوب التي كان يسيطر عليها شرقي سوريا في العام 2019، لكن الأسلحة بقيت منتشرة في المنطقة.
ونتيجة خلاف على “قطعة ثلج” نشب اشتباك بين عشيرتين خلال عيد الأضحى الفائت في الريف الشرقي لدير الزور، قتل /12/ شخصاً، بحسب سكان من المنطقة.
وقالت منظمة “Small Arms Survey” المهتمة بانتشار الأسلحة بين المدنيين في تقريرها الأخير، إن سوريا تحتل المرتبة الـ /89/ عالمياً، بمعدل قدره /8.2/ قطعة سلاح لكل /100/ شخص.
لكن هذا الرقم لا يعبر عن حقيقة الحال، وفقاً لمراقبين ميدانين، ولا يعبر عن النسبة الحقيقة في شرقي سوريا على وجه التحديد، حيث لا يخلو منزل من قطعة سلاح أو أكثر، ليفوق عددها عند بعض العائلات عدد أفرادها.
تكوين عشائري
وقال أحمد الحمادة، وهو شاب متحدر من منطقة الكسرات، إن السلاح موجود بين أبناء المنطقة منذ القدم بحكم “التكوين المجتمعي والثقافة العشائرية وموقعها الحدودي، وازداد دخول الأسلحة منذ الحرب في العراق أواسط 2003”.
وأضاف: “دير الزور باتت مركزاً لتجارة السلاح في سوريا حتى قبل الثورة، وازداد هذا النشاط فيها خلال السنوات الثلاثة الأولى من الحرب، ولا تزال المحافظة مخزناً للأسلحة التي لا يمكن التنبؤ بحجمها وخطورتها”.
وقال حمادة “كان بإمكانك مشاهدة البسطات المنتشرة على طول مئات الأمتار في طرقات الريف الشرقي لدير الزور، والتي كانت تباع عليها مختلف أصناف الأسلحة”.
وعن أسعار الأسلحة، يقول الشاب العشريني إنها “رخيصة ويباع سلاح كلاشينكوف بـ/100/ ألف ليرة سورية”.
وتتمثل خطورة انتشار السلاح بين سكان المنطقة بوجود أسلحة متوسطة وثقيلة في متناولهم.
وقال رمضان الخليل، وهو نازح من مدينة دير الزور إلى ريفها، إن ” هناك مسدسات بكافة أنواعها وسلاح دراكانوف (القناص)، حتى أن البعض يملكون أسلحة رشاش (بي كي سي)”.
وأضاف “الخليل” أن السلاح كان يباع علناً لا سيما في مدينتي البوكمال والميادين إبان سيطرة فصائل “الجيش الحر مثل ألوية ابن القيم وأهل الأثر وأحفاد عائشة والفتح وكتيبة الله أكبر بالبوكمال”.