ألمانيا – فرهاد حمي – NPA
يبدو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو العاجلة قبل يومين إلى بروكسل، إثر زيادة حدة التوتر في الخليج العربي نتيجة تعرض سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية الإمارتية لعمليات التخريب، لم تتوج بتحقيق موقف مشترك مع حلفائه في الاتحاد الأوروبي. إذ أن لكل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وجهة نظر مختلفة بخصوص الملف الإيراني والتوترات الأخيرة في الخليج العربي.
وتراوحت مواقف الدول الأوروبية الكبرى من عملية “تخريب السفن” في المياه الإماراتية، بين ضرورة ضبط النفس وتجنب النزاع العسكري.
حيث أعرب وزير الخارجية البريطانية جيرمي هانت حال وصوله إلى بروكسل, عن قلقه من خطر اندلاع النزاع مع إيران.
في حين أوضح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن الموقف الأمريكي المطالب بـزيادة الضغط على إيران “لا يناسبنا”.
بينما حذر الجانب الألماني على لسان وزير خارجيته هايكو ماس، من اندلاع صراع عسكري مع الجانب الإيراني.
كما لخصت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، لقاءها مع بومبيو, بأهمية الابتعاد عن الصدامات العسكرية، وتجنب أي تصعيد محتمل.
من خلال متابعة المواقف الأوروبية الأخيرة، تُلحظ علامات الحيرة والارتباك الظاهرة على مواقف الدول الرئيسية، وذلك من جهة الوفاء بالتزاماتها الخارجية مع الحليف الأطلسي، والتقليل من مخاطر إيران وحلفائها على منطقة الشرق الأوسط، وبين ضرورة التعاطي مع الملف الإيراني من زاوية العلاقات الثنائية بما ينسجم مع المصالح الاقتصادية الأوروبية.
وعليه، تقف تلك الدول أمام مأزق كبير، لاسيما عقب فرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران من قبل إدارة ترامب. فحزمة العقوبات الأمريكية الأخيرة والتوترات الراهنة في الخليج، ضاعفت من القلق الأوروبي في مغادرة كل من الشركات الأوروبية والصينية والروسية من إيران.
وهذا الخوف الأوروبي يشمل حتى تلك البضائع التي لا تخضع للعقوبات، مثل الأدوية والأغذية القادمة إلى إيران من قبل السوق الأوروبي، نظراً لأن إدارة ترامب تراهن من خلال العقوبات الأخيرة على عدم إنعاش السوق الإيراني عبر عدم حصولها على العملات الصعبة وخاصة الدولار واليورو، سواء عن طريق تجفيف شامل لصادرات النفط والغاز الإيراني، أو عبر القطاعات التجارية والصناعية الأخرى.
تنحصر المهام الدبلوماسية الأوروبية منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، على إيجاد مخرج تفاوضي لتخفيف تأثير الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية المذكورة.
ومع تشديد إدارة ترامب بمنع صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، وعدم استجابة الجانب الأوروبي في تقديم خيارات عملية لإيران, بسبب التحذير الأمريكي ضد أي مبادرة منفردة مع إيران، سارعت إيران بتنفيذ إجراءات من قبيل إنتاج وتثبيت أجهزة الطرد المركزي أكثر تقدماً، وزيادة البحث والتطوير النووي، وبناء مخزون من اليورانيوم الخصب، لتحمل بذلك ضغطاً كبيراً على الدول الأوروبية التي لا تزال تراهن على صيغة “التفاوض” في صورة متناقضة مع الرؤية الأمريكية.
دبلوماسية التفاوض مع إيران التي يتبعها الاتحاد الأوروبي بعد حرب العراق، تعتبر من أهم عوامل النجاح التي تفتخر بها الخارجية الأوروبية، سيما أن الصين وروسيا تأملا أن تكون أوروبا وسيطاً فعالاً بعد انقلاب إدارة ترامب على المفاوضات مع إيران من خلال مجموعة(5+1).
ويبدو أن العجز الأوروبي للتحرك بصورة فعالة في الملف الإيراني في حال انهيار أية قنوات للتفاهم مع إيران، ستضع مصداقية الخارجية الأوروبية على المحك، بالتوازي مع المشاكل الداخلية التي تعصف ببنية الكيان الأوروبي في هذا التوقيت الحرج.
العجز الأوروبي
تكمن مصادر هذا العجز الأوروبي في خرق إدارة ترامب القرارات الدولية المعنية بالملف الإيراني، دون وجود رد فعل أوروبي حاسم ضد الحليف الأمريكي التقليدي، الذي يشكل العمود الفقري في السياسية الخارجية والأمنية الأوروبية، فضلاً على أن دول أوروبية مثل بريطانيا وهي معنية في الاتفاق النووي الإيراني، لا تزال تربطها علاقات استراتيجية مع أمريكا وخاصة بعد مرحلة “بريكست”.
وبالنظر إلى قوة تأثير الدولار على الأسواق الدولية، لا يملك الاتحاد الأوروبي خيارات مهمة في المواجهة الاقتصادية مع أمريكا إلى هذه اللحظة وفق الخبراء الاقتصاديين.
ومؤخراً شلت الولايات المتحدة الأمريكية بعض “الشركات المالية الأوروبية” التي كان مقرها في بلجيكا، بعدم التعامل مع الأسواق والبنوك الإيرانية، كما أن الرسومات التجارية التي فرضها الجانب الأمريكي على السوق الأوروبية لم تلقى من جانب الاتحاد الأوروبي الرد بالمثل.
وعطفاً على ما سبق، جاءت العقوبات الأمريكية لتجفيف صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، وإغلاق باب التجارة مع إيران من قبل حلفائها في المقام الأول، بمثابة ضربت موجعة ضد المبادرة الاقتصادية التي أبرمت بين كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيران، للتحايل على العقوبات الأمريكية، عبر إنشاء قناة مالية في باريس، من أجل مبادلة التجارة والأعمال مع إيران.
مخاوف أمريكية
وفق المراقبين، تأتي الضغوطات الأمريكية من قبل إدارة ترامب على الاتحاد الأوروبي، نتيجة مخاوف أمريكية متزايدة من تحسين الدول الأوروبية الرئيسية علاقاتها الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا بغرض تطويق الاستراتيجية الأمريكية حيال إيران، وتبعاً لذلك، تتحرك الخارجية الأمريكية باتخاذ دبلوماسية “التلاعب” على الانقسام الأوروبي، وتعزيز العلاقات الثنائية المنفردة مع بعض الدول في الاتحاد الأوروبي، سواء من جهة تناغم الإدارة الأمريكية الحالية مع مواقف التيارات اليمينية التي هيمنت على الحكم في أوروبا الشرقية وإيطاليا، أو تعزيز العلاقات الثنائية مع الجانب البريطاني بعد أزمة “بريكست”، بغرض تقليل تأثير المبادرات الألمانية والفرنسية مع روسيا والصين فيما يخص الملف الإيراني.
أمام هذه التطورات، تطالب أصوات من داخل الإدارة السياسية في الاتحاد الأوروبي بضرورة اتخاذ موقف حاسم ضد الأحادية الأمريكية في التعاطي مع الملف الإيراني.
وتذهب تلك الأصوات بوجوب الانفتاح الشامل على الصين وروسيا، لحماية اتفاقية التفاوض النووي من انهيار كلي، نظراً أن التفاهم بين القوى العظمى الثلاث في مواجهة أمريكا ستقلل من قدرة المناورة الأمريكية. وفي حال عدم تحرك الدول الأوروبية في هذا المنحى والبقاء في حالة الارتباك والتردد على هذا النحو، فإنه من المرجح أن تصبح مصداقية أوروبا في مهب الريح، خاصة في ظل غياب حلول دبلوماسية ناجعة مع إيران وصعود النبرة العسكرية إثر التوتر الأخير في الخليج العربي.