الرقة في ذاكرة طبيب مسيحي عمل فيها عشرين عاماً

الرقة – نورث برس

يقضي إلياس مخول (73 عاماً)، طبيب مسيحي من سكان ريف حمص، جُلَّ وقته في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، يتابع أخبار الرقة وما آل إليه حال سكانها وعائلاتها.

ويسترجع الطبيب، في اتصال هاتفي مع نورث برس، ذكرياته عن الرقة خلال فترة عمله فيها والتي امتدت بين عامي 1973 و1993 وكيف كانت علاقته بسكانها.

ويصف علاقته بمدينة الرقة ومجتمعها بأنها “علاقة طويلة وقديمة” إذ كان له عمٌّ يعمل مزارعاً بأرياف تل أبيض وحمام التركمان المحاذيتين للحدود السورية-التركية.

و كان والده في أحيانٍ كثيرة يساعد عمّه في عمله، وفي مرات عديدة أُتيحت له الفرصة لزيارة الرقة برفقة أسرته.

وكان “مخول” قد زار مدينة الرقة أول مرة عام 1957، حينها كانت مدينة صغيرة، وقضاءً يتبع إدارياً لدير الزور.

ويشير إلى أنه زار مدينة الرقة مرةً أخرى عام 1959 مع والده، إلى أن جاء عام 1973، “حينما تخرجت طبيباً من جامعة دمشق فطلبت بنفسي تعييني في الرقة.”

مكّنت تلك الزيارات الخاطفة التي قام بها “مخول” في تلك الفترة من حياته، وعلى الرغم من حداثة سنه، اكتشاف الرقة ومجتمعها عن قرب.

إذ يتحدث الطبيب كيف تبدّلت لديه النظرة النمطية عن المناطق البعيدة عن مراكز المدن الكبرى في سوريا.

ويقول “مخول” إن قسماً كبيراً من أبناء المجتمع السوري كانوا ينظرون لمدينة الرقة ولغيرها من مناطق شمال وشرقي سوريا بأنها مناطق بدائية وأن أهلها يسكنون الخيم.

ويضيف: “كان  باب الرقة مفتوحاً أمامي… أنا الذي اخترتها كمكان عمل لي.”

وعمل “مخول” بشكل مغاير لما كان يقوم به الأطباء في الرقة، فلم يغير مكان عمله، “لأنه من عادة الكثير من الأطباء التحوّل من مؤسسة لأخرى لكسب الزبائن والمعارف.”

ويشير “مخول” إلى أن الفترة الطويلة التي قضاها في الرقة، شكّلت لديه رصيداً كبيراً من المعارف والأصدقاء “من سكان الرقة من مثقفين ورجال دين وموظفين وقضاة وشيوخ ووجهاء عشائر.”

وارتبط مع الكثير منهم بعلاقة وصفها بأنها “علاقة أخوية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.”

ويتواصل “مخول” حالياً بشكل يومي مع أصدقائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، “التواصل أعادنا إلى أيام السهرات الرمضانية في الرقة نحن وجيراننا حتى فترة السحور.”

“مدينة الرقة كانت تعني لي ولأسرتي المؤلفة من زوجتي وابنتي كلَّ شيء، إذ كان لكلٍّ منَّا أصدقائه المقرّبون، لمدة عشرين عاماً قضيناها هناك.”

وعاد “مخول” وأسرته من  الرقة إلى مسقط رأسه في بلدة المشتاية (/50/ كم غرب مدينة حمص) سنة 1993.

وكان قرار رحيل الطبيب المسيحي إلى المشتاية، مفاجئاً ليس لمعارفه وأصدقائه من الرقة وحسب، بل حتى لسكان بلدته.

كانت صدمة “مخول” كبيرة حينما رأى التغيير العاصف الذي حاق بالرقة حين “تحولت إلى واحدة من أخطر المدن في العالم أثناء سيطرة داعش”، في مقارنةً يوردها ما بين فترة سيطرة “داعش” والفترة التي عاشها في الرقة.

ويقول إنه كان يُدعى سابقاً إلى السهرات في المضافات لمناقشة قضايا اجتماعية وحتى دينية، ويبدي رأيه فيها دون أي حرج، حسب تعبيره.

ويصف تلك الأيام بأنها أيام أمان وسلام ومحبة حتى أنه كان يترك في مرات عديدة باب عيادته مفتوحاً طوال الليل ليجدها في اليوم الثاني على حالها، حسب قوله.

وكانت زوجة “مخول” تعمل مهندسة كهربائية في الرقة، وكان عملها يتطلّب الخروج إلى الأرياف البعيدة من أجل الكشوفات على عملية تمديد خطوط الكهرباء في القرى مع العمال.

ويقول “مخول” إن زوجته كانت تخرج لعملها برفقة العمال دون أي تحفّظ من العمال الذين كانوا يعتبرونها أختاً لهم، على حدِّ قوله.

وكان الطبيب إلياس مخول يقوم بإلقاء محاضرات بشكل دوري في المركز الثقافي وعدد من الجمعيات الأهلية في بلدته المشتاية، ولكن حالته الصحية تدهورت في الآونة الأخيرة وهو ما دفعه لإيقاف أنشطته الثقافية. 

إعداد: مصطفى الخليل – تحرير: سوزدار محمد