من مقاعد الدراسة إلى ساحات القتال.. تجنيد الأطفال في إدلب

إدلب (نورث برس)

تقوم “هيئة تحرير الشام، في إدلب، شمال غربي سوريا، بدعوة أطفال وتلاميذ مدارس للانضمام إلى صفوف القتال تحت عناوين وشعارات جهادية.

وتستمر الهيئة، وفق شهادات لأطفال انضموا للقتال في صفوفها وأحاديث عائلاتهم، في استغلال الأوضاع المعيشية المتدهورة للعائلات النازحة والظروف التي مر بها الأطفال خلال سنوات الحرب لزيادة أعدادهم في صفوفها.

استغلال

يتحسر كمال الأسود (16عاماً) على دراسته بعد أن تخلى منذ أشهر عن طموحه في أن يصبح طبيباً، لينضم إلى صفوف فصيل ضمن “هيئة التحرير الشام” في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

وحاول الشاب الصغير، وهو الابن الأكبر لأسرة نازحة من مدينة سراقب، البحث عن فرصة عمل عقب وفاة والده جراء إصابة حربية منذ عام، لكن بحثه كان دون جدوى.

وقال”الأسود”، ، لنورث برس، إنه يعمل ضمن مجموعة مؤلفة من /20/ شخصاً، أربعة منهم دون سن الثامنة عشرة، ومهمتهم هي حراسة الحواجز العسكرية ليلاً.

ووفق اتفاقية حقوق الطفل في القانون الدولي للعام 2002، يمنع تجنيد الأطفال دون سن الـ/18/ في القوات المسلحة أو استخدامهم في الأعمال القتالية.

“دعوات”

وتدفع الدعوات المتكررة من “هيئة تحرير الشام” مع استغلال سوء الأحوال المعيشية نسبة كبيرة من أطفال مدارس إدلب إلى المشاركة في القتال مقابل بعض المال.

وكان التنظيم قد أطلق، خلال الأعوام السابقة، عدة حملات دعوية لاستقطاب الشباب وتجنيد أطفال دون سنّ الـ /18/ عاماً، أبرزها حملة “انفروا خفافاً وثقالاً” مطلع العام الجاري.

والتحق وحيد الياسين (14 عاماً) بالقتال بعد سيطرة قوات الحكومة السورية على قريته بريف إدلب قبل نحو عام.

وقال لنورث برس: “زار دعاة الهيئة أحد مساجد مخيمات آطمة وقاموا بدعوتنا للجهاد والدفاع عن أرض المسلمين، ما دفعني أنا وأربعة آخرين من أصدقائي للالتحاق بهم.”

وخاض “الياسين” برفقة أطفالٍ آخرين دورة فكرية دينية طالت لنحو شهرٍ تلتها دورة قتالية تضمنت تكتيكات عسكرية ثم تم توزيعهم على “نقاط الرباط” بريف حلب الغربي.

واضاف: “كانت أول عملية أشارك فيها هي صد قوات النظام على المحور الغربي لريف حلب، حينها قتل أحد اصدقائي وأصيب آخر.”

وقال ناشطٌ حقوقي من إدلب، فضّل عدم التصريح باسمه لدواعٍ أمنية، إن الهيئة تطلق كل فترة دعوة تحت اسم “الجهاد” وترسل دعاتها إلى الجوامع لتحريض الشباب على القتال.

ورأى أن الرواتب الشهرية التي يتقاضاها الأطفال المجندون ضمن صفوف التنظيم “مقبولة نوعاً ما” قياساً لبقية الأعمال المتوفرة لطفل يسعى للعمل، ما يدفع العشرات للالتحاق بالقتال.

وتضم تنظيمات أخرى ذات أفكار متشددة مثل “حراس الدين و”أنصار الإسلام” في إدلب، عشرات الأطفال، على حدّ قوله.

وأضاف: “تلك الجماعات توجه عشرات الأطفال إلى القتال من خلال إخضاعهم لدورات شرعية تجعلهم يعشقون الموت ويكرهون الحياة”، حسب تعبيره.

“نسب كبيرة”

وقال ابراهيم المعراوي، وهو مدرس وموجه تربوي في مدينة إدلب، إنه نسبة الطلاب المتسربين من مدارس إدلب بلغت نحو /40/ بالمئة.

وذكر، في مقابلة مع نورث برس، أن الكثيرٌ من أولئك التلاميذ دخلوا إلى ساحات القتال في إدلب، “بسبب تأثّرهم بالأفكار المنتشرة في محيطهم، ومنهم لأسباب تتعلق بأخذ الثأر عبر الفصائل أو كسب المال”.

ولفت “المعراوي” إلى أن الكثير من الأطراف العسكرية دفعت الأطفال إلى خطوط القتال ما يعرضهم لمستقبلٍ مجهول يهددهم بالجهل والأمية، على حد تعبيره.

وقالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، في تقرير لها في أيار/مايو الماضي، إن “هيئة تحرير الشام”  تمكنت من خلال تقديم مغريات مادية، تجنيد عشرات الأطفال ضمن صفوفها.

وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في عدة تقارير لها خلال السنوات الماضية، أن الحكومة السورية والجماعات المسلحة التي تقاتلها ارتكبت انتهاكات جسيمة في تجنيد الأطفال وزجهم في القتال.

وتحدث التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة، في حزيران/ يونيو الماضي، عن تجنيد /820/ طفلاً في سوريا، بينهم /147/ طفلاً أعمارهم دون الـ/15/.

لا سبيل لإعادتهم

وقالت أم ياسر (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة في إدلب، إن أبنها الأكبر (15 عاماً) التحق بالفصائل المقاتلة بهدف الحصول على المال، رغم أنها “غير راضية على انضمامه في هذا العمر.”

وفقدت أم ياسر زوجها، قبل نحو عامين، في قصف الطائرات الروسية على مدينة معرة النعمان، “الأمر الذي دقع الأطفال ليبحثوا عن فرص لكسب المال واستغلالهم من الهيئة”.

أما أحمد خالد (15 عاماً)، وهو نازح من مدينة معرة النعمان، فقد ترك مدرسته في الفصل الثاني من العام الدراسي الفائت للالتحاق بالفصائل دون أن يخبر عائلته بذلك.

وكان “أحمد” يدرس في الصف التاسع الاعدادي ومتفوقاً في دراسته، ولكن عدد من رفاقه المنتسبين للتنظيم أقنعوه بضرورة الانضمام لمعسكراته تحت مسمى “الجهاد والنصر على الأعداء”، بحسب والدته.

وبعد فترة من البحث، علمت العائلة من أحد أصدقائه أنه يتلقى التدريب في أحد معسكرات “هيئة تحرير الشام”.

وقالت والدته لنورث برس: “لم يهدأ لي بال منذ أن ترك ولدي المنزل، أخاف عليه من مكروه قد يصيبه في المعارك، فهو لايزال صغيراً على القتال.”

لكن والده لا يتجرأ على الذهاب إلى المعسكر وطلب اصطحاب ولده إلى المنزل، رغم عدم اقتناعه بما فعله ابنه، وفقاً للعائلة.

إعداد: حلا الشيخ أحمد – براء الشامي | تحرير: هوكر العبدو – حكيم أحمد