الشام الجديد

بحثَ رئيس الوزراء العراقي خلال لقاء القمة مع ملك الأردن والرئيس المصري في العاصمة الأردنية مشروعاً جيوسياسياً تحت مسمّى “الشام الجديد”. سيضمُّ هذا المشروع بدايةً، العراق والأردن ومصر، مع إمكانية انضمام دول إقليمية شقيقة في المستقبل، ترتبط جغرافياً وتتقارب سياسياً مع نهج الدول الثلاث.  

المشروع تغيب عنه سوريا رغم أنها نواة بلاد الشام حسب جغرافيا ما قبل سايكس بيكو، وأن عاصمتها دمشق -حاضرة الأمويين- تُدعى الشام أيضاً. أما الغياب الدرامي لدولة بحجم سوريا لها شراكاتها التاريخية مع دول الجوار فمردُّه المباشر يعود إلى طبيعة الحلف الذي أدخلت به حكومة الأسد البلاد في رباط عقائدي لا ينفصم مع دولة الولي الفقيه في إيران.

مشروع حلف “الشام الجديد” يبدو في معطياته الأولية تحالفاً ذا منافع استراتيجية ستتبادلها الدول الثلاث؛ فالعراق، بموارده النفطية الهائلة، سيُضمِّن المشروع مدَّ أنبوب لنقل نفطه من مدينة البصرة إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في شمال مصر مروراً بميناء العقبة جنوب الأردن، ما سيسمح بوصول النفط العراقي إلى سواحل المتوسط لتصديره إلى أوروبا بأسعار منافسة نظراً لما سيحققه هذا الأنبوب من تخفيض في كلفة النقل. كما يطمح المشروع إلى تبادل الخبرات والطاقات مع مصر ذات الموارد البشرية الهائلة، إلى جانب تشجيع تيسير استيراد الصناعات المصرية التي ستكون وجهتها القادمة أسواق العراق، كما سيكون لمصر الأولوية أيضاً في توريد الكهرباء إلى العراق بأسعار زهيدة على مبدأ تبادل المنافع الاستثمارية والإنمائية بين البلدين.

أما الأردن بموقعها الوسطي بين البلدين وعلاقاتها الدولية المعتدلة التي غالباً ما تقف على مسافة واحدة من أغلب القوى ذات النفوذ في المنطقة، وبمواردها البشرية وصناعاتها الخفيفة ولا سيما الغذائية التي ستنشّط دورة المال وتنعش اقتصاد المملكة من خلال توريد صناعاتها في الاتجاهين، فسيكون المردود الاقتصادي على دخلها القومي جزءاً من الفائدة الكبرى التي ستجنيها من الحلف الجديد؛ الجزء الأكثر أهمية من المنفعة الأردنية سيكون سياسياً بامتياز متمثّلاً في قطع الطريق على مشروع “الهلال الشيعي” وهو المشروع البعيد المدى لدولة العمامات السود في إيران الذي بناه أصحابها على جماجم ودماء الشعوب حيث الحكومات الأوتقراطية التي ساهمت بتسهيل تغلغل ميليشيات إيران الطائفية وحرسها الثوري إلى أرضها حتى غدت وشعوبها رهينة لديها، والحكم الطائفي في سوريا وفي لبنان خير مثال على الغزو الإيراني الدموي الممنهج للمنطقة.

التوقيت الذي تمّ فيه إطلاق مشروع “الشام الجديد” على وسائل الإعلام ريثما يتم إعداده بشكل موضوعي وقانوني ليُعلَن رسمياً بلسان الدول الثلاث هو توقيت لافت، فقد جاء مباشرةً إثر الزيارة الأولى لرئيس الحكومة العراقي، مصطفى الكاظمي، حيث التقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض.

اللقاء بين الطرفين العراقي والأميركي حمل نتائج مرضية للطرفين قد يكون من أهمها ما وعد به ترامب بانسحاب القوات الأميركية وبخروج سريع لقوات التحالف الدولي من العراق في غضون /3/ سنوات والإبقاء على قوة رمزية فيها أسوة بالعديد الأميركي الموجود في سوريا. كما أن هذا الاجتماع هو الأول للكاظمي منذ أن تولى رئاسة الحكومة والأكثر تأثيراً نظراً للحشد السياسي والإعلامي الذي وفّرته واشنطن لدعم هذه الزيارة، ما استدعى الكاظمي أن يمدّد إقامته في العاصمة الأميركية ليومين إضافيين لاستكمال الاجتماعات والموضوعات المتعلّقة بالملفات المشتركة بين بغداد وواشنطن في الاقتصاد والأمن والسياسات الخارجية.

وتكاد تكون العلاقة المتداخلة بين طهران وبغداد هي الأهم والأكثر إلحاحاً التي بحثها الطرف الأميركي مع الكاظمي ووفده الرفيع التمثيل. فالرئيس الأميركي يريد أن يدعم انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران بتقدّم سياسي يحرزه في العراق حيث اليد الطولى لإيران، ولن يكون أفضل لترامب وإدارته من أن تدعم  مشروعاً كهذا يتشكّل مع دول الجوار العراقي التي تتّخذ موقفاً مكافئاً لواشنطن من خطورة دور إيران الهدّام لجهة خلخلة استقرار المنطقة بهدف بسط نفوذها على شعوبها ومقدّراتها وثرواتها الطبيعية والبشرية.

لن يكون مشروع “الشام الجديد” مجرّد خطة واعدة للتكامل الخدمي والتجاري وتبادل المنافع التنموية والاستثمارية وحسب، بل هو سهم سينغرس في قلب الهلال الشيعي الذي أرادته إيران قوساً طائفياً عابراً للحدود يقوم على نزعة التطرّف والتبعية للولي الفقيه بعد أن أعملت ميليشيات حرسه الثوري خراباً وقتلاً وفِتَناً، في العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن، بغرض السيطرة وتدمير القلب الحي من العالم العربي كما حدث لدمشق الأسيرة.

من المبكِّر جداً الحديث عن محاسن ومساوئ “الشام الجديد” قبل أن يتمّ طرحه كاملاً برؤيته وآلياته وأهدافه بعد أن وصفه الكاظمي بأنه مشروع واعد على نسق التكامل الاقتصادي قام بين دول أوروبا وأسّس لقواعد الاتحاد الأوروبي، إلا أنه من الضروري القول أن الإدارة الأميركية الحالية المصصمة على إنجاز تاريخي يكبح جماح إيران في المنطقة ويقوّض مشروعها التوسعي القائم على الترهيب والعسكرة، لا بد ستنتصر لتحالفات جديدة بإمكانها أن تهيءّ خلاصاً من التدخلات الإقليمية للدول الطامحة إلى اقتسام النفوذ وتبديد فرص قيام حكومات مستقبلية، ديمقراطية ومستقلة القرار وكاملة السيادة، على أنقاض تَرِكة المستبدّين الزائلين.