ساسة ومثقّفون في السويداء يستبعدون أفقاً لحلّ “النّزاع” في ظلّ الإملاءات الخارجية
السويداء (نورث برس) – يستبعد ساسة وناشطون في محافظة السويداء أقصى جنوبي سوريا، أيّ أفقٍ للحلّ في سوريا ما لم تتوقف الإملاءات الخارجية وتُمنح الفرصة للمكونات السورية لتحديد طبيعة الحكم القادم في البلاد.
وفي ضوء تعقيدات الملف السوري مع دخول الحرب عامها العاشر، يجد البعض أن الحلّ يكمن في المحافظة على تنوّع أطياف المجتمع السوري وتتويجه بدستورٍ يصون حقوق المكونات السورية.
وقال وليد الميمساني (49 عاماً)، وهو ناشطٌ مدنيّ من سكان مدينة السويداء، إن البلاد ذاهبةٌ إلى “تكريس الفرز الطائفي والفئوي إن لم تتوفر حلول توافقية ترسم خريطة سوريا الغد”.
وأضاف لـ”نورث برس”، أن آفاق الحلّ السوري لن ترى النور أو تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ما لم يتم التوافق على إقرار مجتمع ديمقراطي، تتساوى فيه حقوق المكونات والشعوب.
وتابع: “المحافظة على جوهر الثقافات والمعتقدات بين أطياف المجتمع السوري هو الأساس في إنتاج عقد اجتماعي جديد يُتوَّجُ بدستورٍ يصون حقوق السوريين ويراعي خصوصيات الجميع”.
وأشار “الميمساني” إلى أن “الأزمة السورية ليست وليدة آذار/مارس ٢٠١١، إنما نتيجة البنية الإيديولوجية لسلطة حزب البعث الحاكم وممارساته المستبّدة الرامية إلى قمع الحريات العامة منذ عام ١٩٦٣”.
وذكر بأن الأجهزة الأمنية الحكومية تكبِّل منذ أكثر من /50/ عاماً أيّ تطورٍ مدنيّ يمكن أن يكون بديلاً أو شريكاً في صنع القرار وإدارة شؤون البلاد.
وأودت الحرب الناتجة عن الأزمة السورية والتي بدأت على شكل اضطرابات شعبية في آذار/مارس 2011، إلى مقتل نحو /500/ ألف شخص وفقاً لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ونزح داخلياً وخارجياً نحو /13/ مليون سوري منذ اشتعال الحرب، وهو ما يمثِّل حوالي /60/ بالمئة من عدد سكان سوريا قبل عام 2011، حسب مركز “بيو” للأبحاث.
وقال فوزات رزق (69 عاماً)، وهو كاتب وروائي من مدينة صلخد ثاني أكبر مدن محافظة السويداء، إن أيّ خطة حلّ دولية أو سورية لن يُكتَبَ لها النجاح ما لم تتمثّل فيها كافة المكونات السورية.
ووصف مفاوضات الحلّ في جنيف بـ”مسلسل ميلو درامي وهزلي بين المعارضة السورية المدعومة من الخارج والحكومة السورية المتعنتة ذات المواقف الإستكبارية والمتغطرسة”.
وقال إن الطرفين لن يعملا على إحداث أيّ تقدّمٍ في المفاوضات الجارية، كونهما يفتقدان الشرعية الشعبية الجامعة للمكوّن السوري واسع الطيف، على حدِّ تعبيره.
وأضاف: “بعد مرور تسع سنوات على الصراع والاقتتال، لم يتفق الطرفان بعد على أسماء المشاركين في لجنة صياغة الدستور الجديد الذي يتشدقون به”.
وتساءل: “كيف ومتى سيناقشون بنود الدستور المُزمع صياغته؟”
ومنذ عام 2012، عُقِدت سلسلة اجتماعات بشأن الحل في سوريا في مدينة جنيف السويسرية تحت رعاية الأمم المتحدة، لكن الخلافات العالقة بين الحكومة السورية والمعارضة حالت دون حسم القضايا المطروحة للتفاوض.
وقال سامر رجب (47 عاماً)، وهو سياسي وباحث أكاديمي من مدينة شهبا شمال السويداء، إن اللاعبين الدوليين والإقليميين المعنيين بالصراع السوري لا يهمهم وضع حلٍّ دائمٍ في سوريا.
ويصف مراقبون، الأرض السورية بعد الحرب بـ”ملعبٍ دولي” تتشارك فيه عدة دول أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وإيران بالإضافة إلى دولٍ تدعم كيانات محلية دون تدخل مباشر.
وأضاف: “لا ينظرون إلينا كشعبٍ له الحق في تقرير مصيره بنفسه، فجلُّ ما يسعون إليه هو تأمين مصالحهم الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية.”
وقال لـ”نورث برس”: “الأتراك في الشمال السوري يؤرقهم ويقضّ مضجعهم أخوتنا الكرد في سياق صراع تاريخي ظالم، ظناً منهم أن الكرد يسعون إلى الانفصال”.
وتابع: “يتناسى الأتراك أن الكرد مكون سوري وطني أصيل شارك في نضالات الشعب السوري عبر عقودٍ من الزمن ضد المستعمرين وكابدَ الاضطهاد والقهر الطويلين من قبل الحكومة السورية منذ إحصاء عام ١٩٦٢”.
وأضاف: “المكوّن الكردي له الحق في تمثيله في أي مفاوضات حول الحلّ السوري القادم، لتموضعه المحلي والإداري الجديد في شمال شرقي سوريا”.
وتعود بداية التدخل التركي في سوريا إلى آب/أغسطس 2016، حيث أطلقت أنقرة عملية عسكرية قالت إنها تستهدف تنظيم “داعش” شمالي البلاد.
ومنذ ذلك الحين، عملت تركيا على قضم مناطق واسعة شمال سوريا منها عفرين، وجرابلس، وإعزاز، والباب، وتل أبيض، وسري كانيه بالتعاون مع الفصائل المعارِضة المسلّحة تابعة لها.
ولفت “رجب” إلى أن هاجس الإيرانيين الوحيد في سوريا هو دعم الحكومة بكل ما يملكونه من أدوات، للمحافظة على تمددهم عبر العراق وسوريا ولبنان في ظل مشروع ولاية الفقيه المزعومة، على حدِّ قوله.
ونوَّه أن ذلك يجعلهم يرفضون أي مبادرة للحلّ دون أن تكون الحكومة السورية هي الراعي وصاحب الحق في الإنابة عن الشعب السوري.
ولم تتوقف إيران عن محاولاتها التمدد داخل سوريا وعملت منذ بدء الحرب في البلاد على ترسيخ وجودها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وحتى ثقافياً.
ورأى “رجب” أن الحلّ يندرج تحت شروط التخلّي والتوقف عن الإملاءات الخارجية، وإعطاء الفرصة للمكونات السورية أن تحدد ماهية وطبيعة الحكم القادم لسوريا.
وقال: “الوجع السوري يحتاج إلى حضور قوي وفاعل ومشاركة المجتمع المحلي والمدني بكل مكوّناته والتي لها الحق في رسم خارطة طريق تًخرِج البلاد من محنتها”.