كريست ميكائليان.. من تخيل طاولة آلة الخياطة أورغاً إلى افتتاح مركز للتوزيع الموسيقي

القامشلي (نورث برس) – من آلة الخياطة التي كانت تملكها والدته وبعمر ستة أعوام بدأ الطفل كريست يدرب أصابعه الصغيرة على العزف متخيلاً طاولة آلة الخياطة أورغاً صغيراً، ومعتمداً على ما تابعه من عزف على التلفاز.

يقول كريست ميكائليان (41 عاماً)، وهو من أرمن القامشلي: “كنت في السادسة من عمري عندما علقت في ذهني إحدى المقطوعات الموسيقية التي كنت قد سمعتها عبر التلفاز”.

عزف على آلة خياطة

ويتذكر العازف أنه أحضر في طفولته كرسياً ووضع عليه بعض الوسائد ليتمكّن من الجلوس أمام آلة الخياطة الخاصة بأمه، ويحرك أصابعه على خشبة الآلة مقلداً عازف الأورغ الذي شاهده في التلفاز.

وبقيت هذه الذكرى عالقة في ذهن كريست إلى أن بلغ الحادية عشر من عمره حين قام أخوه الذي يكبره بست سنوات بشراء آلة أورغ صغيرة لمحبته هو الآخر للعزف.

وبدأ يستغل غياب أخيه عن المنزل لاختلاف توقيت دوامهما المدرسي آنذاك، ليُخرج الآلة من خزانة أخيه، ويحاول تعلم العزف معتمداً على ما سمعه من أغاني.

“في بداية التسعينات كانت موسيقا شارة مسلسل رأفت الهجان وموسيقا اللامبادا مشهورتان فتعلمت عزفهما من سماعها، إلى جانب بعض ألحان الأغاني الأرمنية للمغني بول بغداديان وغيره”.

ويذكر بعدها: “عندما سمع أخي ما تعلمته قرر دعمي ومساعدتي للتعلم، كنت أعزف ولكن لم تكن حركات أصابعي صحيحة وكنت أخطئ أو أفقد اللحن في بعض الأماكن”.

“فقدت معلمي”

وكانت المشاركة الأولى لـ”ميكائليان” بنشاط موسيقي ضمن مسابقة للمدارس الابتدائية عام 1990 وهو العام نفسه الذي بدأ أخاه يدربه ويعلمه أصول العزف، وحصل فيها على المركز الثالث على مستوى محافظة الحسكة.

“وبعد مشاركتي في المسابقة وحصولي على المرتبة الثالثة فيها، التحقت بكورال الكنيسة الأرمنية”.

فبسبب ضعف العازف الذي كان يرافق الكورال سابقاً، طرح أحد أصدقاء “ميكائليان” اسمه على المسؤولة ليتولى هو العزف رفقة المرنمين، “منذ عام 1994  وحتى الآن أرافق كورال كنيسة الأرمن الأرثوذكس في كل الطقوس والمناسبات الدينية”.

وتسبب فقدان أخيه الكبير الذي توفي بسبب أزمة دماغية مفاجئة بعد عامين من التحاقه بالكورال، بمروره بفترة من الإحباط، أثرت على اهتمامه بالعزف والموسيقا عموماً.

 يقول “ميكائليان”: ” لم أفقد أخاً فقط، فقدت معلمي وسندي”.

لكنه تمكن رغم ذلك من العودة للعزف على الأورغ، “لم أكن أرغب بترك الآلة التي أحبها وشغفت بها، وتعلمت عزفها من أخي”.

خطوات

ترك كريست المدرسة بعد أن أنهى المرحلة الإعدادية في الـ/15/ من عمره وتوجه للعمل في أحد محلات المنطقة الصناعية بالقامشلي.

يقول مبتسماً: “رغم التزامي بعمل بعيد عن الموسيقا، ولكني لم أكن أفوت فرصة الهروب من العمل للالتحاق بأي نشاط للكنيسة أو لنادي الأرمن من أجل العزف”.

بعد أربعة أعوام من مشاركاته على مستوى الكنيسة والطائفة الأرمنية في مدينة القامشلي، التحق ” ميكائليان” بفرقة “مونتانا” الموسيقية والتي كانت قد تشكلت عام 1998 ليعزف ضمنها مع المغني السرياني سركون داوود والذي كان معروفاً في تلك الفترة.

شاركت فرقة مونتانا في بعض الاحتفالات الخاصة بالفوج الكشفي الرابع ومركز التربية الدينية في القامشلي (مؤسستان تابعتان للكنيسة السريانية الأرثوذكسية)

حيث كانت تدعم بعض الفنانين الصاعدين في تلك الفترة الذين كانوا يشاركون في هذه الاحتفالات ومنهم مراد كرم وبشار يوحانون ورامي آدم والذين عرفوا بأدائهم الأغاني السريانية والمردلية.

“عزفت فرقة مونتانا مع المغني الأرمني أرسين كريكوريان وأخوته في مدينة الحسكة، كما عزفت مع المغني بابكين كريكوريان المتواجد حالياً في هولندا”.

كغيره ممن بدؤوا مسيرتهم في عمر مبكر عانى “ميكائليان” صعوبات مادية، حيث كان يضطر ليدفع أجرة آلة الأورغ التي كان يستأجرها للعزف في فعاليات فرقة مونتانا الموسيقية.

إلى أن اشترى أورغه الخاص في العام 2005، من ريع الحفلات والأعمال التي كان يسجلها، ليقوم بعدها ببيعه وشراء آخر أكثر جودة، بحسب قوله.

أول أغنية

وتعرف “ميكائليان” على صديق له في فرقة مونتانا واستمرا ضمن الفرقة إلى جانب المغني سركون داوود، الذي اقترح في العام 2000 تسجيل أغنية خاصة له، “وهنا بدأت تجربتي الأولى مع التوزيع الموسيقي”.

فيقول كريست، وهو ممسك بقطته الأليفة والتي أسماها بيانو: “كنا متحمسين لهذا الأمر، رغم أننا لم نكن نعلم شيئاً عن التوزيع الموسيقي”.

ويضيف أن أحد أصدقائه ويدعى مروان، كان يملك حاسوباً شخصياً فقاموا بشراء برنامج تسجيل وتوزيع الموسيقى على البرامج الإلكترونية، وبالفعل سجلوا أول أغنية لهم.

يشير “ميكائليان” إلى مشاكل تقنية ومشاكل جودة واجهتهم في البداية لأن تسجيل الأغاني وتوزيع الموسيقى علمياً وأكاديمياً كان عملاً صعباً، وكنا نتعلم من البرامج المسجلة على الأقراص حينها.

لكنه لا يخفي تطورهم وإعجابهم بهذا المجال الجديد، “بعد تسجيلنا للأغنية الأولى كان من الصعب علينا التوقف لأننا استمتعنا بها وتعلمنا أموراً جديدة في الموسيقى”.

استمر كريست حينها ضمن فرقة مونتانا، إلى جانب عمله مع صديقه مروان في تسجيل الأغاني حيث كان يتسلم مروان أمور التسجيل، ويقوم كريست ميكائليان بالتوزيع الموسيقي.

في عام 2004 توقفت الفرقة بسبب سفر المغني الرئيسي سركون داوود إلى الخارج، والتحاق باقي الأعضاء بفرق أخرى، والتحق كريست عام 2007 أيضاً بفرقة كرونك مع المغني الأرمني المعروف مامبري واستمر معها لغاية 2011.  

يقول الآن والحسرة بادية على وجهه: “لقد سافر من تبقى من أعضاء الفرقة مع بداية الأزمة السورية عام \2011\ وبقيت بمفردي فتفرغت للعزف ضمن الكنيسة والأستوديو مع صديقي مروان”.

 تراث متنوع

استمر “ميكائليان” بعمله في أستوديو “الأحلام للتوزيع والإنتاج الموسيقي”، والذي كان قد أسسه مع صديقه مروان شلمي عام 2002 بأجهزة وإمكانات بسيطة.

 يقول: “بعد عملنا مع فنانين محليين استطعنا أن نصل لعدة نجوم عرب، كان لهم دور في شهرة الاستوديو عربياً، ومنهم الفنان سامر كبرو ابن الجزيرة، وربيع بارود وليال نعمة وغيرهم”.

ويضيف: “بحكم أن مدينة القامشلي معروفة بتنوعها الثقافي والفني، فكان من الواجب علينا سماع تراث المكونات الأخرى”.

وقام الأستوديو بإنتاج الكثير من الأعمال بمختلف اللغات، منها أعمال جزراوية مردلية وأخرى كردية وسريانية.

يطمح “ميكائليان” الآن أن يقوم بتطوير وتوسيع الأستوديو الذي يدير عمله مع صديقه، لينتج أغاني خاصة لنجوم كبار في العالم الغنائي، ويأمل تجاوز صعوبات أبرزها ما تعيشه المنطقة من آثار للحرب وانتشار وباء كورونا.

إعداد: ريم شمعون – تحرير: عكيد مشمش