أردوغان بين ترامب وبايدن

أردوغان بين ترامب وبايدن

أثارت التصريحات التي أدلى بها المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، جو بايدن، حول نظام أردوغان، والدعوة إلى إسقاطه من خلال دعم المعارضة التركية، ووصفه لأردوغان بالحاكم المستبد… ردود فعل واسعة في تركيا والخارج، وبات هذا الموضوع مادة في الحملات الانتخابية بين ترامب وبايدن، ولا سيما أن ترامب حاول استغلال تصريحات بايدن بالقول إنه لا يستطيع الوقوف في وجه أردوغان بوصفه الأخير بالزعيم القوي والمحنك وذلك في محاولة للتقليل من شأن بايدن.                         

بدايةً، لا بُدَّ من السؤال عن الأسباب التي دفعت ببايدن إلى إطلاق مثل هذه التصريحات؟ وهل هي تصريحات تعبِّر عن استراتيجية حقيقية لديه أم أنها تأتي في إطار حملته الانتخابية؟ وكيف أثّرت هذه التصريحات على أردوغان في الداخل التركي؟ وهل يعني وصول بايدن إلى السلطة تنفيذ ما جاء في تصريحاته بخصوص الدعوة إلى إسقاط نظام أردوغان؟        

في الواقع، الأسباب التي دفعت بايدن إلى إطلاق مثل هذه التصريحات كثيرة، لعل أهمها:

أولاً: أن العلاقة بين الرجلين سيئة في الأساس، خاصةً بعد أن اتهم بايدن قبل سنوات نظام أردوغان بإرسال المسلحين والإرهابيين إلى سوريا عبر الأراضي التركية، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل أردوغان، ودفعه منذ ذلك الحين للهجوم على بايدن.

ثانياً: لأن بايدن هو من السياسيين الأميركيين المنتقدين لسياسة أردوغان في قبرص واليونان وأرمينيا، وجاءت التطورات الأخيرة في ليبيا والصراع على الغاز في المتوسط لتزيد من حدّة الخلاف بين الجانبين.      

ثالثاً: أن مواقف بايدن الداعمة للكرد ولا سيّما في سوريا، وانتقاده للعدوان التركي ضدهم في شمال شرقي سوريا، ودعمه للمبعوث الأميركي السابق بريت ماكغورك على شكل فريق أميركي مؤيد ومتفهّم لتطلّعات الكرد في المنطقة ودورهم في محاربة “داعش”…كل ذلك يثير جنون النظام التركي وخشيته من فريق أميركي داعم للكرد ليس في سوريا فحسب بل في باقي دول المنطقة، أي تركيا والعراق وإيران.                                 

رابعاً: أن بايدن على علاقة ممتازة بالعديد من اللوبيات المعارضة للسياسة التركية في الداخل الأميركي، ولا سيّما اللوبي اليوناني والأرمني حيث دعوته القوية إلى اعتراف الإدارة الأميركية بالإبادة الأرمنية، ومع أن مثل هذا الأمر ينسجم مع توجهاته السياسية بخصوص تركيا إلا أن في صلب أهدافه من هذه العلاقة حضور البُعد الانتخابي، حيث تتمتع هذه اللوبيات بنفوذ وتأثير قويين في المجتمعات الانتخابية الأميركية.                  

خامساً: أن تصريحات بايدن لأردوغان هي في العمق انتقاد لسياسة ترامب تجاه أردوغان ولطبيعة العلاقة بينهما، خاصةً بعد التقارير التي تحدثت عن مصالح خاصة كبيرة تربط بين الرجلين، وهي مصالح تدار من قبل صهري ترامب وأردوغان، أي جاريد كوشنر وبَرات آلبايراك ومجموعة من رجال الأعمال المقرّبين من أردوغان وترامب، ووجه الانتقاد هنا، هو أن ترامب يهادن أردوغان لمصالحه الشخصية على حساب المصالح العليا الأميركية، وهو ما جعل أردوغان يتجرأ مراراً على التصرف خارج ثوابت العلاقة مع الولايات المتحدة، كما حصل في قضية صفقة صواريخ (إس – 400) مع روسيا، وعدوانه على سري كانيه/رأس العين وتل أبيض ومن ثم احتلاله لهما، وبالتأكيد مثل هذا الأمر لن يكون في صالح ترامب انتخابياً إذا ما نجح بايدن في دعم حملته الانتخابية بوقائع تؤكد تصرف ترامب على هذا النحو.                                     

بغض النظر عن حسابات ترامب وبايدن حول طبيعة العلاقة مع أردوغان، فإن السؤال المهم هنا، كيف كان وقع تصريحات بايدن على أردوغان؟ في الواقع، الجواب المختصر عن السؤال، هو أن أردوغان كان المستفيد الأكبر من هذه التصريحات، فالمعارضة التركية وبحكم الحساسية التركية التاريخية من التدخل الخارجي في الشؤون التركية الداخلية، عبّرت عن رفضها لتصريحات بايدن، وعدتها خارج أعراف التعامل الدبلوماسي مع السياسة التركية، ورغم أن هذا الموقف جاء لصالح أردوغان في الداخل، فإن الأخير استغل تصريحات بايدن ضد المعارضة التركية في الداخل، حيث ذهب إلى القول إن بايدن هو مرشح المعارضة التركية في الانتخابات الأميركية، وإن تصريحاته تؤكد وجود مؤامرة ضد تركيا، وإن المخططات الانقلابية ضد نظامه مستمرة، ومثل هذه التصريحات موجهة بشكل أساسي إلى الداخل التركي، من خلال محاولة شد التيارات القومية والإسلامية بل وحتى تيارات المجتمع المدني لصالحه، على اعتبار أن هذه التيارات ترفض الانقلاب العسكري والتدخل الأجنبي في الشؤون التركية الداخلية.  

في ميزان الربح والخسارة، يبدو أردوغان هو الرابح الأكبر من الجدل الذي جرى بين ترامب وبايدن على خلفية تصريحات الأخير لصحفية “نيويورك تايمز” والتي دعا فيها إلى إسقاط أردوغان، وأبعد من هذا الجدل، هل فعلاً سيعمل بايدن على إسقاط أردوغان إذا وصل إلى السلطة؟

في الواقع، من يدقق في طبيعة السياسة الأميركية يصعب عليه تصديق مثل هذا التصور، خاصةً وأن السياسة الأميركية أكبر من أن يحددها شخص بعينه، نظراً لأنها في النهاية تعبّر عن مصالح مؤسسات هي أقرب إلى الدولة العميقة، وهي التي تحدد السياسات بناءً على المصالح والأولويات والاستراتيجية، وفي كل هذا تحظى العلاقة الأميركية-التركية بأهمية خاصة دون أن يعني ذلك أن العلاقة التركية-الأميركية ستكون جيدة في المرحلة المقبلة في ظل تفاقم الخلافات وتضارب الأولويات والاستراتيجيات، ولعلَّ الامتحان الحقيقي لهذه العلاقة سيكون في حال وصل بايدن إلى سدة البيت الأبيض، فعلى الأقل سيكون ملزماً إلى حدٍّ كبير في انتهاج سياسة مغايرة لترامب تجاه نظام أردوغان الذي استفاد كثيراً من علاقته الخاصة بترامب، وسخَّرها لأجندته الإقليمية ومشروعه السياسي في المنطقة.