الشعر الشعبي العربي في الجزيرة السورية في غياب الاهتمام الرسمي
تل كوجر(نورث برس) – يعاني الشعر الشعبي العربي، أحد أكثر الفنون الشعبية المنتشرة في منطقة الجزيرة السورية، شمال شرقي البلاد، من قلة الاهتمام والرعاية والاعتراف الرسمي بهذا النوع من الشعر، رغم تميزه بانتشار واسع وقبول كبير لدى أبناء العشائر.
ويرى شعراء ومختصون في اللغة العربية والتراث البدوي أن هذا النوع من الشعر سيبقى قائماً لأنه ينتقل عبر التداول بين الأجيال في المناسبات، لكنه بحاجة إلى الاهتمام بمواهب الفئات الشابة لضمان الحفاظ على تجدده.
وقال نزهان الركاد، وهو شاعر من قرية “الحصانية” في منطقة تل كوجر بريف القامشلي، في تصريح خاص لـ”نورث برس”، إن أشهر أنواع الشعر الشعبي هو الشعر النبطي أو الشعر البدوي الذي اكتسب زخماً كبيراً في منطقة الجزيرة السورية.
وأضاف أن للشعر الشعبي حضور قوي في أفراح الناس وأتراحهم، وهو جزء من الحياة العامة في المناطق التي تنطق باللهجات الشعبية البدوية في الجزيرة السورية وأرياف الرقة ودير الزور وحمص.
كما أنه يعالج كثيراً من القضايا السياسية والاجتماعية، بحسب “الركاد” الذي كان أحد المشاركين في مسابقة “شاعر المليون” في مدينة أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة.
وقد ساهم في مراحل مختلفة في تغيير مفاهيم وتكريس قيم اجتماعيه ومثل عليا وخصوصاً عند البدو الذين يعتبرون الشعر تاريخهم المحفوظ وميداناً للتفاخر والتحاور الشعبي، بحسب قوله.
ولفت إلى أن الشعراء اختلفوا في تقييم الشعر الشعبي في عصور سابقة، فأمير شعراء العربية أحمد شوقي، كان قد قال “أخاف على العربية من ديرم”، وديرم هو شاعر شعبي تونسي انشغل الناس بشعره في تسعينات القرن الماضي، حسب “الركاد”.
وينتقد “الركاد” إصدار وزارة الثقافة التابعة للحكومة السورية لمسلسلات وأعمال فنية تتناول الشعر الشعبي الذي يميز مناطق الجزيرة وريف حمص، بـ”طريقة لا تمثل حقيقتها الواقعية وجماليتها” بسبب عدم تمييزها اللهجات الجزراية والبدوية وعدم إتقان الممثلين لها بطريقة صحيحة.
كما أشار إلى أن تقارب اللهجة البدوية مع اللهجة الخليجية “ساهم كثيراً في الحفاظ على هذا النوع من الأدب في منطقتنا خصوصاً في ظل الامتدادات العشائرية لقبيلتي شمر وعنزة”.
وينقسم الشعر النبطي البدوي حسب طريقة إلقائه إلى الهجيني والصخري والمسحوب والحداء والعرضة، وكلها أنواع لإلقاء الشعر بلهجات بدوية وخليجية مختلفة، وفق قوله.
وقال محمد اليساري، وهو شاعر شعبي من سكان القامشلي وحاصل على شهادة دكتوراه في اللغة العربية من جامعة دمشق ويدرس فيها، إن الشعر الشعبي لا يقل أهمية عن الشعر الفصيح، بل اعتبره “أكثر إخلاصاً للوزن من الشعر الفصيح”.
وأضاف ، في تصريح لـ”نورث برس”، أن الأمر لا يتعلق بميزة في الشعر الشعبي أو عيب في الشعر الفصيح، “فالوزن مظهر شكلي في النهاية، والشعر الشعبي أكثر سلاسة وانتشاراً كونه يعتمد اللهجة الدارجة”.
ويشير “اليساري” إلى تأثر هذا النوع من الشعر بالأنماط الشعرية الغنائية في اللهجة العراقية كالـ”مُولَيَّا، وأبو الزّلفْ، والنَّايل، والزهِيْرِي”.
وسمح التقارب الشديد في اللهجات بين سوريا والعراق بتداول الأشعار بين الجانبين، وكان الفنان العراقي سعدون جابر، قد غنى من الشعر الشعبي السوري في أغنيته “عشرين عام” للكاتب السوري ابن محافظة دير الزور عبدالناصر الحمد.
لكن عدم وجود اهتمام رسمي من وزارة الثقافة السورية بالشعر الشعبي يجعله يواجه بعض الصعوبات، فعدم وجود رابطة لشعرائه في منطقة الجزيرة قلل من قدرة الشعر الشعبي على المنافسة والانتشار، بحسب المختص في اللغة العربية.
بالإضافة إلى عدم وجود جهات راعية للمواهب الشابة التي لا تجد أحياناً مساحة مناسبة لإبداعاتها، على حد وصفه.
لكن “اليساري” توقع “مستقبلاً مشرقاً” للشعر الشعبي، ووصفه بأنه حالة ممتدة بين الماضي والحاضر لا يمكن إنهائها لأنها متوارثة مع الأجيال الناطقة بهذه اللهجات الشعبية.