الفلتان الأمني في السويداء.. اتهامات للحكومة السورية بتخيير السكان بينها وبين الفوضى
السويداء – نورث برس
تتصاعد وتيرة الفلتان الأمني، مؤخراً في محافظة السويداء جنوبي سوريا، وتختلف شدتها من فترة إلى أخرى، رغم انتشار القوات الحكومية وأجهزتها الأمنية التي يتهمها سكانٌ بأنّها تقف وراء عمليات الفلتان الأمني وزعزعة الاستقرار، في حين لا تزال مؤسسات الحكومة السورية قائمة هناك، وسط استياء سكانٍ من أدائها.
وقال أنور سالم (اسم مستعار/45 عاماً)، وهو أحد الشخصيات المدنية البارزة التي شاركت في المصالحات بين السويداء ودرعا، لـ”نورث برس”، إن “محافظة السويداء تشهد منذ سبع سنوات مضت، حالةً من الفلتان الأمني وانتشاراً لعصابات الخطف والسلب والقتل أرّقت مضجع أبناء المحافظة، رغم إقدام الأجهزة الأمنية الحكومية على إجراء تسويات مع أعضاء بعض المجموعات المسلحة”.
وأضاف “سالم”، الذي يُعتَبر ناشطاً مدنياً ساهم في توثيق الحوادث الأمنية في المحافظة، أن تلك “العصابات التي تشكّلت من أشخاص سوّت القوات الحكومية أوضاعهم، عاودت نشاطها الإجرامي والمنظّم”.
وأشار إلى أنّ نسبة الاعتداءات على السكان انخفضت خلال شهر أيار/مايو الماضي، لكن “العصابات استأنفت نشاطها الإجرامي خلال أشهر الصيف، حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس، حيث سجّلت /٢٩/ حالة اعتداء، منها /١٩/ حالة سرقة لسيارات ومنازل بقوة السلاح، و/8/ حالات خطف لأشخاص، وحالتي قتل” وفقاً لـ”أنور سالم”.
وكانت آخر حالة اعتداء وقعت هي الهجوم على سيارة إسعاف من نوع (لاند كروزر) في مدينة السويداء، بتاريخ الـ/٢١/ من آب/ أغسطس الجاري، حيث تعرض صاحبها للضرب المبرح، وتمت سرقة السيارة والفرار بها إلى جهة غير معلومة، بحسب نشطاء من مدينة السويداء.
وقال يوسف نافعة (٥٩عاماً)، وهو ناشط مدني من سكان مدينة السويداء، لـ”نورث برس”: “من العجيب أن تقدم الجهات الأمنية الحكومية في الـ/8/ من تموز/يوليو الفائت، على إجراء تسويات لأفراد عصابتي “عريقة” و”المجدل”، ذائعتي الصيت في “القتل والخطف والسلب”.
وأضاف أنه بعد حصار قرية عريقة من قبل القوات الحكومية ومن بعدها القوات الأمنية السورية، تم نصب خيم على مداخل القرية، وأُجريت تسويات لـ/٣٠/ شخصاً من العصابة، بعد أن سلّمت سلاحها الفردي والمتوسط للأمن، ووقّعوا على تعهدات بترك تلك الأعمال، دون أي محاكمة، حسب “نافعة”.
ولفت إلى أنّ ما حصل كان موضع تهكم واستياء شديدين من قبل سكان السويداء، الذين “اعتبروا أنّ ما حصل هو منح صك براءة لتلك المجموعات المافيوية، واتهموها بالتعامل مع شخصيات أمنية داخل محافظة السويداء”.
ولم يتسنَ لـ”نورث برس” التواصل مع مسؤولين من الحكومة السورية لمعرفة وجهة نظرهم حيال الاتهامات التي يوجهها لهم سكان وناشطون من السويداء.
وقال رسمي أبو جهجاه (٥٠عاماً)، أحد سكان المدينة، لـ”نورث برس”، إن “هناك ضلوعاً غير مباشر لبعض الأجهزة الأمنية في المحافظة، ببعض أحداث الخطف والفديات المالية الكبيرة للمخطوفين، بدليل السماح لتلك العصابات بالمرور عبر الحواجز الأمنية على مداخل المدن والبلدات في السويداء”.
وأضاف “أبو جهجاه” أنّ “المشهد الأمني في السويداء يبقى معقّداً على كثرة الفصائل المحلية، منها الموالية للحكومة السورية ولإيران، والتي تدار من خلف الكواليس، ومنها غير الموالية، وأبرزها فصيل رجال الكرامة الذي يُبدي في بعض الحالات بعضاً من المهادنة والتزام الصمت تجاه بعض الحوادث الأمنية”.
وأشار إلى أن الفوضى الحاصلة في المحافظة هي “استراتيجية حرب اتبعتها الحكومة السورية من خلال أذرعها الأمنية والمجموعات التابعة لها، لتظهر لأبناء السويداء أن غياب الدولة سيغرق المحافظة بأزمات أمنية لا تنتهي، ولتثبت لهم أن لا بديل عن الدولة ويجب إعادة إخضاع السويداء، وهذا لن يحصل لأن المزاج العام يتجه نحو رفض كل الممارسات الأمنية القمعية”.
وقال مدحت الطير (اسم مستعار)، وهو موظف في دائرة حكومية بمحافظة السويداء، لـ”نورث برس”: “ما تزال المؤسسات الحكومية تقوم بعملها داخل المحافظة، رغم استشراء الفساد في مفاصلها، وما تزال الحكومة السورية تحاول بكل ما تملك من أدوات، تلميع صورتها المشوَّهة في أذهان السكان”.
وأشار إلى أن الحكومة تقوم تارةً بالإعلان عن مسابقات توظيف لامتصاص ظاهرة البطالة المتزايدة في المحافظة، وتارةً تنجز بعض الأعمال الخدمية كتعبيد بعض الطرقات أو تشييد منشأة لا فائدة منها، كما تقوم بفصل الموظفين المناوئين لها، وتمارس أقصى حدود الرقابة على الصحافة والكتابة، فتعتبر كل من لا يصفق لها، خارج المفهوم الوطني”.
وأضاف أنّه بات من الضروري “إعادة النظر بالأداء الحكومي المترهل، والذي فقد ثقة الناس، بإعادة صياغة مشروع وطني جديد، يقوم على أساس المواطنة وحرية التعبير والمعتقد، وشق مسار سياسي جديد يصيغ دستوراً تقوم عليه البلاد، أو البقاء ضمن عقلية أن تعود السلطة الحاكمة كما كانت قبل تسعة أعوام، وهذا سيجعل البلاد تذهب إلى التقسيم في ظلّ متغيرات وتبدلات لا يحمد عقباها”.