حلب – زين العابدين حسين – نورث برس
أبصر أحمد نحلة (45 عاماً)، أحد سكان حي الشيخ مقصود شرقي، شمالي حلب، النور في الحي الذي لا يزال مقيماً فيه منذ ذلك الحين، فوالده كان قد ابتاع منزلاً فيه عام 1970، ليكبر الابن بين أبناء الحي الذي يُعتَبر أحد التجمّعات للسكان الكرد في المدينة.
وينحدر أحمد من قرية كفرزيتا بجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، وقد قَدِم والده إلى حي الشيخ مقصود شرقي واشترى أرضاً بمساحة /100/ متر، وشيّد عليها منزلاً مؤلفاً من غرفتين، واستقر فيه.
ويقول “نحلة”، وهو يستعيد ذكريات طفولته وصَبَاه مع جيرانه الكُرد: “كانت حياتنا جميلة، إذ كان شارعنا يضمُّ ثماني عائلات كردية، وكنا نتسامر في ليالي الصيف ونعقد الجلسات أمام المنازل بكل بساطة وكأننا عائلة واحدة”.
وما أن بدأت الأحداث في مدينة حلب عام 2012 حتى تغيّر كل شيء، حيث سيطرت فصائل المعارضة السورية المسلّحة على الحي في آذار/مارس لعام 2013، ما أجبر “نحلة” إلى الخروج منه مُرغماً مع عائلته المؤلَّفة من ستة أطفال، ليتّخذ من منزل أخيه في مساكن هنانو شرقي حلب مأوىً له ولعائلته، إلاّ أنه لم يلبث أن عاد خلال أسبوع، “قررت أن أعود إلى منزلي وليحصل ما يحصل فالموت واحد”.
ولدى عودته إلى الحي، كان معظم سكانه قد غادره، فبعض أصدقائه توجّهوا إلى تركيا وآخرون إلى أوروبا ولم يبقَ منهم إلاّ بضعة أشخاص.
ويضيف: “كانت هنالك فقط جارتنا أم عبدو، كانت تأتي إلينا بالطعام بحكم أننا كنّا قد عدنا حديثاً للحي ولا نملك شيئاً بعد خسارتنا لممتلكاتنا التي سُرقت خلال أسبوع من غيابنا عنها، حتى أنها كانت تدعمنا مادياً أحياناً لعلمها بأني لا أعمل ونحن ثمانية أشخاص، فلقد ساعدتنا دون أن تهتم بمنبتي العربي ومنبتها الكُردي”.
وتعيش في أحياء الشيخ مقصود غربي، والشيخ مقصود شرقي، وجامع معروف والأشرفية مكونات عديدة، من عرب وكـرد ومسيحيين وإيزيديين، وتُعتَبرُ من الأحياء الشعبية التي نزحت منها أعداد كبيرة من السكان أثناء تصاعد الأزمة السورية بمدينة حلب عام 2012، ثم أصبحت ملجأً في مرحلة لاحقة لسكانٍ من داخل المدينة وخارجها بعد توفّر أمان نسبي فيها عقب خروج فصائل المعارضة المسلّحة عام 2016 من الأحياء الشرقية بمدينة حلب.
وفقد “نحلة” أخبار صديق طفولته “نظام” لسبع سنوات ونّيف، وشاءت الظروف أن يلتقي به صدفةً عبر حسابه الشخصي على موقع “فيسبوك، قبل عدة أيام، “كانت مفاجأة بالنسبة لي وسعادة كبيرة أن ألتقي بصديق طفولتي الكردي”.
ويستذكر تلك الأيام فيقول: “كنّا منذ الصف الأول وحتى التاسع نجلس في المقعد نفسه، وقد بقيت علاقتنا مستمرةً إلا أن وقعت أحداث 2013، لكن قبل أيام وأنا أتصفّح حسابي على موقع “فيسبوك”، صادفني حسابه فأرسلت له طلب الإضافة، ليقبله فوراً ومن ثم تحدثنا مباشرةً وكان يردد طيلة حديثنا جملة أهلا بأخي أحمد”.
ولم تبعد الحرب “أحمد” عن صديقه “نظام” فقط، بل أبعدته عن الجميع حتى جاءت فرصة التواصل الافتراضي بعد أن غيّرت الغربة والسنين من ملامحهم، “بعضهم يتحدثون معي وأنا لا أعرفهم فوراً، فقد تغيّرت ملامحهم وأشكالهم فيقولون لي أنا جارك الفلاني في الحارة ألم تعرفني!”
ويقول أحمد نحلة إنه يتواصل مع أصدقائه عبر الفيديو في أحاديثٍ تدور في معظمها حول أيامٍ مضت لـ”يصل بنا الشوق أحياناً وكأننا سنحضن بعضنا البعض من وراء الشاشة”، حسب تعبيره، “كنا نعيش كأعزَّ من الأخوة في الحي”.
ويعمل “أحمد”، منذ قرابة أربع سنوات، في محلِّه الخاص بالشارع الرئيسي الذي يبيع فيه الملابس القطنية إلى جانب بسطةٍ لبيع المواد الغذائية.
ويشكِّل السكان العرب نسبة /20/ % من مجموع المقيمين والنازحين في أحياء الشيخ مقصود الشرقي والغربي وجامع معروف، وفق لجنة الإغاثة التابعة للإدارة المدنية لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية.
ويختم الرجل الأربعيني الذي تركت الأيام آثارها على جبينه بعد سنوات من الشقاء، حديثه بأن الأوضاع تغيّرت الآن، وبقي لقاؤه مع جيرانه المتبقين للاطمئنان وعرض المساعدة على بعضهم البعض، أسلوباً لمواصلة الحياة في ظل هذه الظروف المادية العصيبة فهو لا يملك إلاّ هذا المحل الذي يعتاشُ منه هو وعائلته، “رغم كل شيء نقول الحمد لله”.