القامشلي – عبدالحليم سليمان – نورث برس
تمكنت آهين علي (40 عاماً) من تحويل إصابتها بفيروس كورونا في الحسكة، شمال شرقي سوريا، إلى تجربة يمكن الاستفادة منها عبر تواصل مع المرضى أو من شعروا بالأعراض، وساعدها في ذلك خبرتها في عقد ندوات التوعية الصحية سابقاً.
وواجه مصابون بفيروس كورونا منذ إعلان الإدارة الذاتية لأربع إصابات جديدة في نهاية تموز/ يوليو الماضي معاناة نفسية واجتماعية وخوفاً من الأعراض في ظل عدم وجود اتصال مباشر مع مصابين متعافين، واقتصار جهود التوعية الصحية والوقائية على التدابير الاحترازية وأعراض المرض.
وفي قسم المخبر الطبي الواقع في مشفى الشعب بالحسكة الذي تعمل به آهين، يتوافد العشرات وربما المئات من المرضى، بينهم مصابون بكوفيد الذي أصاب أيضاً عدداً من العاملين في القسم ومنهم “آهين” وزملاء لها.
وبعد شعورها بأعراض المرض، طلبت من إدارة المشفى إجراء فحص PCR لها والذي أظهر نتيجة إيجابية (مصاب)، ووفقاً لآهين فإنها أصيبت بالفيروس في مطلع آب/ أغسطس الجاري، لكنها أُبلغت بنتيجة الفحص المؤكدة في السادس من الشهر نفسه.
ولا تزال العاملة في المجال الصحي ملتزمة، مع زوجها وابنتهما الوحيدة، في منزلها الواقع في أحد أحياء الحسكة منذ أكثر من /15/ يوماً، بانتظار أن تجري اختباراً للتأكد من الشفاء تماماً.
زوجان يدعمان بعضهما
وقالت آهين، لـ”نورث برس”، إنها في ظل التغطية الإعلامية العالمية للمرض القاتل شعرت “بخوفٍ محفوف بالقلق لدى تلقيها النتيجة” ، لكنها سرعان ما بدأت هي وزوجها الذي أظهرت نتيجته أيضاً الإصابة بالمرض من شدّ أزر بعضهما ومواجهة المرض بمعنويات عالية ودون ذعر يفقدها توازنها، وفق تعبيرها.
وسهّلت الخبرة الصحية لدى الزوجين، اللذين يعملان في المخابر الطبية في الحسكة إضافة إلى ثقافة التوعية لدى آهين التي تدير مركزاً للتوعية الصحية، من تعاملهما مع المرض وتحمل الضغوطات الصحية والاجتماعية التي ترافق المرض.
وتدير آهين، وهي خريجة معهد صحي (قسم المخبر) وتحمل شهادة في كلية الحقوق من جامعة الفرات أيضاً، مركز “بلسم” للتوعية الصحية، إذ أشرفت في المركز على ندوات توعية صحية حول الأمراض الشائعة.
وبدأت الأعراض والآلام عند المصابة تبدأ بشكل تدريجي، “في البداية كان ارتفاع الحرارة بشكل متدرج وآلام في الأطراف” تعاملت معها باستعمال مسكنات الألم وخافضات الحرارة ثلاث مرات يومياً بشكل منتظم، فيما اقتصر ظهور السعال على يوم واحد فقط.
ولدى آهين طفلة في الثامنة من عمرها بقيت في المنزل مع والديها الذين دخلا الحجر المنزلي وآثرا عدم الاختلاط بالناس، بما فيهم المقربون من الأهل، لمنع انتقال العدوى لهم، فاعتمدا على جارهما البقال لتلبية الاحتياجات اليومية، بالإضافة إلى ابن أخت الزوج والذي تفهّم أوضاع أقربائه وكان سنداً لهم خلال فترة التعافي، بحسب ما تقول “آهين”.
“ابنة المريضة بكورونا”
واستطاع المصابان تحمل الحالة الاجتماعية الجديدة التي فرضها المرض عليهما، لكنها تقول إن طفلتها التي سمحوا لها بالخروج قليلا إلى أمام المنزل وهي ترتدي الكمامة، عانت بسبب تحاشي أطفال الجيران اللعب معها.
وكانت الأم تسمع أقوالاً من قبيل “إنها ابنة المريضة بكورونا”، ما تسبب بضيق للطفلة ووالدتها التي تأثرت بمشاعر ابنتها.
مكافحة الخوف
وبسبب إعلانها الإصابة بالمرض على حسابها الشخصي على الفيسبوك وإدراكها لحيثيات المرض وكيفية مواجهته، قلبت آهين حالتها المرضية إلى تجربة يمكن الاستفادة منها عبر تواصل المرضى أو من شعروا بالأعراض معها.
وتقول إن تجربتها كمديرة لمركز للأنشطة المدنية وإدارتها لجلسات وندوات التوعية منحها القدرة على الاستجابة مع المتواصلين معها عبر الهاتف والإنترنت.
ولتوفر الثقة بها، فإن المرضى ووسائل الإعلام في محيطها تفاعلوا مع حالتها وتضامنوا معها، وعبروا عن ارتياحهم لنشرها علناً على وسائل التواصل الاجتماعي إصابتها بالمرض وعدم الاختلاط مع الأهل، وفق ما تقول.
تقول “آهين” إنها تمكنت من تقديم الدعم النفسي لمصابين بالفيروس، فقبل أيام أحد اتصل بها بعض من معارفها المقيمين في بلد أوربي لاستشارتها في إصابة والدهم السبعيني بالفيروس والمقيم في مدينة القامشلي، “كان الرجل المسن منهاراً عند معرفته بالإصابة بالفيروس، لكن بعد الحديث معه عن المرض وكيفية التعامل معه، تغيرت حالته كلياً نحو الأفضل”.
وتحذر آهين من الآثار النفسية لإهمال المصابين بالمرض من كبار السنّ وتركهم لوحدهم في الحجر المنزلي، “البعض يُشعرون المريض وكأنه على أعتاب الموت ويشددون من فرض العزل عليهم ويحطمونه معنوياً ونفسياً”.
تقول آهين إن بنية جسدها وزوجها القوية ومناعتهما كانت كافية لمقاومة المرض، لكنها كانت تهتم بتناول الطعام الصحي وكافة أنواع الخضار إلى جانب الفواكه والتعرض للشمس يومياً وأخذ جرعات منتظمة من خافض الحرارة، إضافة إلى التعامل مع حالتهما بمعنويات عالية.
وتنوه الناشطة في المجال التوعوي إلى ضرورة الإعلان عن المرض والالتزام بالحجر وعدم الاختلاط مع الآخرين حال معرفة المريض بإصابته بفيروس كورونا، وذلك للتقليل من انتشار المرض لا سيما بين كبار السن الذين يعانون أمراضاً أخرى قد تكون سبباً في ضعف مناعة أجسامهم وعدم تحمل الإصابة بالفيروس.
وتقول آهين مازحة الآن: “نسيت الفيروس وأصبحت أعاني من ضغط الاتصالات الكثيرة من الأصدقاء ومن يستفسرون عن طرق التعامل مع المرض”، لكنها لا تخفي سعادتها في مساعدة المصابين وعائلاتهم لتجاوز التدهور النفسي الذي قد يرافق المرض.