حلب: انعدام الثقة بالمشافي الحكومية وغلاء الخاصة منها يدفع عائلة لمواجهة “كورونا” بنفسها
حلب – نورث برس
يرفض نعمان الأحمد (38 عاماً) التوجه إلى المشافي الحكومية، ويفضِّل عزل نفسه وعائلته بمنزله الكائن في حي السريان الجديدة في مدينة حلب، شمالي سوريا، وذلك بعد اشتباهه بأنه مصاب بفيروس كورونا المستجد منذ عودته من دمشق قبل أسبوع.
ويعلِّل قراره بأن معظم مشافي حلب تحوّلت إلى مراكز حجر صحي، واعتقاده بأنها تزيد من خطورة انتشار الفيروس بدلاً من تخفيفها نتيجة اختلاط كافة الحالات مع بعضها دون عزل كل حالة على حدة.
ومع تزايد عدد الإصابات في مدينة حلب واعتقاد مصابين بضعف قدرة المنظومة الصحية الحكومية على احتواء الوضع، تقوم المشافي الخاصة أيضاً برفع قوائم أسعارها حيث يكلّف البقاء ليلة واحدة داخل غرفة الانعاش في أحد المشافي الخاصة حالياً نحو /300/ ألف ليرة سورية، بحسب مراجعين لتلك المشافي.
وقال “الأحمد”، لـ”نورث برس”، إنه شعر في بادئ الأمر بأعراض تطابق تماماً أعراض الإصابة بكورونا، مثل فقدان حاستي الشم والتذوّق والسعال وارتفاع الحرارة بشكلٍ مفاجئ، الأمر الذي جعله يقرّر حجر كامل أفراد عائلته في المنزل، وعزل نفسه عن العائلة في غرفة منفردة.
لكنه لم يُجرِ أي مَسحة مخبرية له أو لزوجته وأطفاله الأربعة، نظراً لتكلفتها المرتفعة التي تبلغ أكثر من /100/ ألف ليرة سورية كحدٍّ أدنى للمسحة الواحدة، وفق قوله.
وأضاف “الأحمد”، الذي يعاني سابقاً من داء السكري أيضاً: “وضعي المعيشي لا يسمح لي بقصد المشافي الخاصة وعزل نفسي مقابل /300/ ألف ليرة لكل ليلة في المشفى، وأنا أتقاضى راتباً قدره /90/ ألف ليرة مقابل عملي كمندوب مبيعات في شركة خاصة”.
وينوِّه إلى أن بقائه في المشفى لليلة واحدة سيكلِّفه أكثر من مجموع راتبه لثلاثة أشهر، وبالتالي إذا ما أراد عزل نفسه في المشفى لمدة /15/ يوماً فعليه أن يدفع ما يعادل راتبه الشهري لأربع سنوات، وفق قوله.
“لحسن حظي، قدّمت لي الشركة التي أعمل فيها /50/ ألف ليرة سورية كنوعٍ من المساعدة للبقاء في المنزل، ولولا ذلك كنت سأضطر إلى مواصلة العمل وأنا مصاب!”.
وكان عمالٌ وأصحاب منشآت في حلب قد قالوا لـ”نورث برس” قبل أيام إنهم مضطرون للاستمرار في العمل رغم مخاطر الإصابة، وأنهم يكتفون بتدابير الوقاية.
وسجَّلت مدينة حلب /262/ إصابة بالفيروس، بينها خمس وفيات، بينما تماثلت /22/ للشفاء، فيما تجاوز العدد الكلّي للمصابين في مناطق سيطرة الحكومة السورية حاجز الـ /2000/ إصابة، بحسب الإحصاءات الأخيرة لوزارة الصحة في دمشق.
وقال “الأحمد” إنه وأفراد عائلته يتلقون دعماً معنوياً كبيراً من جيرانه وأقربائه وأصدقائه، حيث كان يخشى أن يتهرَّب الناس منه ويتنمّروا عليه، “لذلك لم أخبر أحداً بحالتي في البداية، ولكنني اعتدت على الأمر بعد أن تلقيت الدعم”.
وأضاف أنه بعد حوالي أسبوعٍ من العزل المنزلي وقضاء الوقت في غرفته، لا يزال يعاني من آلامٍ في مفاصله وارتفاعٍ زائد في درجة الحرارة ما يجعله معظم الأوقات لا يبرح فراشه.
وشدد على مخاطر الاستهتار بالفيروس أو التقليل من شأن الإصابة، “لم أكن أبالي بالتحذيرات من الفيروس ولم أعطه أي أهمية، ما أودى بي الحال إلى الإصابة، لذلك أطلب من الجميع تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات”.
من جانبها، قالت زوجته رانيا حلاق (35 عاماً)، والتي تعمل في الخياطة النسائية، ، إنها تبتعد عن زوجها وعن أطفالها في أغلب الأوقات لتفادي نقل أي عدوى محتملة، وإنها ستبقى تهتم بأطفالها بحذرٍ شديد لحين مرور /15/ يوماً، على حدِّ قولها.
وأضافت لـ”نورث برس”: “أطعم كلّ طفلٍ بصحنٍ خاصٍ به، وأقوم بتنظيف وتعقيم كل مستلزمات العائلة التي يجلبها لنا عمّهم دون أن يدخل المنزل”.
وتقول الزوجة التي تلتزم بارتداء كمامة داخل المنزل: “حماتي تتصل بنا بشكلٍ يومي للاطمئنان علينا، وتخبرنا أنها تودّ زيارتنا في هذه المحنة، لكننا نفضّل عدم مجيئها في الوقت الحالي لخوفنا على صحتها كونها متقدمة في العمر”.
وتقول الزوجة أيضاً أنها تتواصل بشكلٍ دائم مع صيدلانية تقيم في حيّها لتنظيم برنامج غذائي بهدف تخفيف الأعراض عن زوجها، و”كذلك لمعرفة كيفية تقديم طعامه واحتياجاته مع ضمان حماية أطفالي من العدوى”.
وتضيف أن “الأطفال باتوا مستائين جداً من بقائهم داخل المنزل، لذلك أقوم بالسماح لهم بالجلوس أمام الكمبيوتر لساعاتٍ أكثر مما كانت عليه سابقاً بهدف تخفيف الضغط النفسي عليهم”.
كما تقوم “حلاق”، خلال هذه الفترة، بتعليم ابنتيها على الخياطة لعلّهما “تستفيدان من ذلك في يومٍ ما”، وتقول إنهما تتجاوبان معها بشكلٍ جيد في التعلّم.
وترى أن زوجها يتمتع بمعنويات عالية، وأنه “لو قام كلُّ من ظهرت عليه الأعراض بحجر نفسه في المنزل لما تصاعدت أرقام الإصابات إلى هذا الحدّ، ولم يتفاقم الوضع كما هو اليوم”.