ظاهرة الخلافات في الوسط الفني بين الفبركة والقضاء والاضطراب النفسي
دمشق – أحمد كنعان – نورث برس
ترجع ظاهرة الخلافات التي كانت تتطور أحيانا إلى عداوات بين الفنانين في سوريا إلى بدايات الإنتاج الفني في البلاد، ويتذكر متابعون ومهتمون بالشأن الفني أحد أشهر الخلافات في هذ الإطار ذلك الخلاف بين الفنان دريد لحام من جهة وبين الفنان نهاد قلعي و الكاتب محمد الماغوط من جهة أخرى، ومن ثم خلاف “لحام” مع ياسر العظمة والذي كان على أساس فني وفكري، وفق البعض، إلى خلافات “لحام” مع رفيق سبيعي وعمر حجو وآخرين، “والتي كانت خلافات مادية بحتة” وفق آخرين.
خلافات متوارثة
في السياق ذاته تذكر خلافات الجيل التالي بعد أولئك الرواد كخلافات أيمن زيدان مع أغلب الفنانين حين كان مديراً لشركة الشام الدولية التي أسسها أحد أبناء عبد الحليم خدام، الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس الجمهورية، ما جعل زيدان “وصياً شبه حكومي على الإنتاج الفني في سوريا”، بحسب عاملين في الوسط الفني.
ووصلت هذه الخلافات لذروتها مع بداية الأزمة في سوريا عام 2011، حيث شهدت الساحة الفنية انقساماً كبيراً بين مؤيد ومعارض، وصل إلى حد الشتائم والتهديد والتخوين، وانحدر أيضا إلى مستوى الشماتة بالموت، كما حدث مع رحيل الفنانة مي سكاف المعروفة بموقفها المعارض.
لكن اللافت في الفترة الأخيرة هو تسبب أبناء الفنانين في إثارة الخلافات في الوسط الفني بعد صعودهم مؤخراً، حيث هاجم حازم ابن أيمن زيدان مسلسل “ببساطة”، في حادثة أعادت التذكير بالخلافات الكثيرة التي سادت العلاقة بين زيدان الأب وباسم ياخور منتج وبطل مسلسل “ببساطة”، ليأتي رد ياخور عبر تعليق على منشور حازم: “انته مثل أخي الصغير لكن أن تشتمنا فهادا شيء معيب”.
وما أن هدأ هذا الخلاف، حتى اندلع خلاف بين ياخور وأيمن رضا أثناء تصوير مسلسل “ببساطة”، حيث نُسب لياخور أنه قال لهمام ابن رضا “ابتعد عن طريقة والدك بالتمثيل فأنا لا أحبها”، ليندلع بعدها خلاف أخر بسبب برنامج (أكلناها)، حين كان رضا ضيفاً على ياخور في إحدى الحلقات، حتى وصل الأمر ببعض المتابعين لوصف هذه الخلافات إلى أنها المسلسل الأطول الذي لن ينتهي.
“سلوكيات بنتائج سلبية”
وقال الصحفي والكاتب أحمد علاء الدين رئيس تحرير موقع ليبانون ديلي وهو جريدة إلكترونية، لـ “نورث برس”: إنّ “كل هذا الهياج لن يؤثر إلّا على طرفي النزاع من الفنانين، وهذا السلوك الصبياني سببه مجتمع يخلو من العلاقات المنتجة والفعّالة، ويمنح فيها رأس المال النجومية لأشخاص لا يعرفون ماذا يقولون، كما أنهم لا يتقنون تربية أولادهم”، بحسب تعبيره.
ورأى أنّ “هوس الفنانين بزيادة أرقام المتابعين والمعلّقين على التغريدات والمنشورات، هو السبب الرئيسي الذي يدفع بالفنان لتوجيه الشتائم، ليروي هوس الأرقام المتزايدة لديهن ولو كان ذلك على حساب الاستهزاء بزملائه”، وفق قوله.
وأشار الى أن الكثير من هذه الخلافات قد يكون مخطط لها، ويتم تأجيجها في وقت مدروس، “لأنّها تثير الضجّة حول مشروع فاشل، فيسهل تسويقه من خلال تتالي ذكره على السوشال ميديا، أو أنها قد تعيد بعض الألق لفنان كادت أن تنطفئ نجوميته”.
ولفت إلى أنّ “أغلب الخلافات تنتهي بصلح واعتذار من الطرفين، ليبدأ خلاف آخر، بمكان آخر، ولسبب سخيف آخر، وهذه الحركات لا يهتم بها إلّا العقول المراهقة التي تفتقر للنضج”، وفق تعبيره.
ولكن بعض هذه الخلافات لم ينته بتبادل الاتهامات والشتائم على السوشال ميديا أو من خلال وسائل الإعلام الصفراء التي تعيش على الدراما، فهناك خلافات لم تكن مجرد فبركات ترويجية وتسويقية، أو بهدف تنشيط لنجومية تكاد تنطفئ لأنها وصلت إلى أروقة المحاكم، كالخلاف الذي وقع بين ديمة بياعة ونسرين طافش، ووصل إلى محكمة الجنح في دبي، وصدرت فيه أحكام، وتم استئنافها.
غرفة لتحكيم الخلافات
كما أن الخلاف بين المخرج بسام الملا والمنتج محمد قبنّض، على ملكية مسلسل باب الحارة، والذي انتهى بحكم قضائي لصالح قبنّض، وهذا ما دفع المحامي بسام يغمور وبخطوة استباقية إلى إحداث الغرفة العربية لتحكيم الفنون.
وقال يغمور لـ”نورث برس”: إن هذه الغرفة تهدف إلى حل جميع النزاعات التي قد تنشأ عن العقد الفني، باعتبار أنّ العقد الفني قد تطور نتيجة تطور وسائل التكنولوجيا المرئية والمسموعة، ما أدى إلى ظهور مجموعة من الأعراف التي تتحكم بهذا العقد، والتي لم تنظم وتقنن بعد في القوانين المقارنة.
وأضاف إنّ “ظهور مفردات ومصطلحات خاصة بهذه المهن لم تعرفها القوانين بعد، ولم تتصد لها السلطات القضائية، وأيضا بسبب ضخامة الأموال التي تحتاجها هذه المهن والعقود الناشئة عنها، كل ذلك دفعني الى إحداث هذه الغرفة التي تختص بالتحكيم في كل النزاعات والخلافات التي قد تنشأ بين الفنانين بسبب العقود أو لأي سبب آخر”.
وبيّن يغمور أن الأحكام الصادرة عن غرفة التحكيم ملزمة بقوة القانون، وإن الغرفة تضم عدداً من الفنانين للاستئناس بآرائهم وفهم خصوصية الخلاف، إضافة للمحامين المحكمين.
وقالت الممثلة ريم عبد العزيز، وهي عضو في هذه الغرفة، لـ “نورث برس”: إنّ الغرفة لم تباشر عملها حتى الآن، لأنّ الإجراءات القانونية لإقامتها لم تنته بعد.
ورأت أن “إقامة هكذا غرفة للتحكيم وحل النزاعات بين الفنانين، خطوة حضارية وضرورية”.
“أسباب نفسية”
وفسّر الدكتور أحمد يحيى افنيخر، الاختصاصي في الصحة النفسية والتربية الخاصة، لـ “نورث برس” أن المشادات الكلامية هي شكل من أشكل الإيذاء والعنف، يُعرف بأنّه لفظي، وبدأ يتصاعد بوتيرة سريعة وبشكل متعمّد أحياناً بين عموم الشرائح الاجتماعية.
وقال: “من ضمن الإيذاء والعنف اللفظي، تلك الملاحظة مؤخراً بين الفنانين عبر السوشال ميديا، والتي تحولت إلى وسيلة ونمط يستخدم للإيذاء البيني، بين فنان وأخر، مما يتسبب بإهانات وإيذاء نفسي للفريقين معاً أو لأحدهم”.
وأشار إلى ارتباط المشادات الكلامية بمشاعر معقدة تتملك الفريقين أو أحدهم، وهي مشاعر قد تنبع من التنافس أو فقدان أو خسارة موقع ما قد رسمه طويلاً على الخارطة الفنية، كما أن هذه المشادات قد تكون مدفوعة بالرغبة لامتلاك شيء يمتلكه الأخر، وهي رغبة قد تتطور إلى الحسد والحقد.
وأضاف أن الخوف أحياناً لدى بعض الفنانين من أن يحل فنان مكان آخر، أو أن يتم استبداله به، تسبب تلك المشادات، وإن وجود منافس قوي يهدد إمكانيّة حصول فنان على حاجته، قد يولد لديه مشاعر غيرة كبيرة، تزيد من روح المُنافسة والاجتهاد بينهما، وهذا الأمر قد ينتج شعور سلبي؛ حيث يؤثر هذا الجانب على أداء الفنان ويشعره بالقلق عندما يفكر بالطرف الآخر، وبإمكانيّاته، ويُقارنه بنفسه بطريقة تجعله أقرب إلى الوقوع في مشادات كلامية والوقوع في شرك الإهانات.
وتابع “إن حساسية الفنان النفسية مسبب أخر برأيي، فقد نكون أمام فنان ذو طبع عصبي، فيكون أكثر عرضة للغضب والاستياء من غيره، كما أنّ اضطراب الشخصية النرجسية قد يكون أحياناً سبباً للمشادات الكلامية بين الفنانين أنفسهم”.
وقال الموسيقي نبيل أبو الشامات، عضو المجلس المركزي لنقابة الفنانين، لـ “نورث برس”: إنّ النقابة لا تتدخل في هكذا نزاعات، وتعتبرها مسألة شخصية، إلّا في حال تقدم أحد الأطراف بشكوى رسمية، عندها يتم التدخل وإحالة الموضوع إلى الجهة القضائية المختصة.