ضعف الإقبال على القراءة يحوّل أقدم مكتبة في الرقة لمحل صرافة

الرقة- مصطفى الخليل- نورث برس

دفع انهيار قيمة الليرة السورية أمام سعر صرف الدولار بالتزامن مع تطبيق قانون “قيصر” في حزيران/ يونيو الماضي وانتشار فيروس كورونا المستجد مؤخراً في شمال شرقي سوريا، وضعف إقبال السكان على القراءة واقتناء الكتب، صاحب مكتبة “بورسعيد” في مدينة الرقة، لتأجير مكتبته لصرّاف والانتقال بمحتوياتها إلى محلٍّ في شارع المنصور وسط المدينة كان مستودعاً للمكتبة.

وقال أحمد الخابور (79عاماً)، وهو صاحب مكتبة “بور سعيد”، إن الإقبال على القراءة والمطالعة وشراء الكتب، وخاصةً وسط فئة الشباب في الرقة شبه معدوم، “وفي كثير من الأيام لا أبيع قلماً أو دفتراً واحداً، وفي مرات عديدة أبيع بالدين”.

وتشتهر مكتبة “بور سعيد” في مدينة الرقة، باسم مكتبة الخابور، نسبةً إلى نسبة صاحبها، وتُعدُّ من أقدم وأشهر مكتبات الرقة، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1957، “وكانت في ستينيات القرن الماضي ملتقى لشباب الرقة من أحزاب وتيارات عدة، يجلسون فيها تحضيراً للخروج في المظاهرات والتنديد بقرارات الحكومة حينها”، وفق قول “الخابور”.

“ألف كتاب في مستودع”

ويعيد “الخابور” سبب ضعف الإقبال على القراءة في الرقة من قبل الشباب، إلى “إدمانهم على متابعة شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الدردشة”.

ويحذِّر من خطورة اعتماد الشباب على المعلومات الواردة على شبكات التواصل الاجتماعي، “فهي ثقافة مجتزئة وضحلة ومغلوطة”، على حدِّ تعبيره.

وتحتوي مكتبة الخابور في الوقت الحالي على حوالي ألف كتاب في الأدب والتاريخ، بالإضافة لنسخ أعدادٍ من مجلات وجرائد وصحف قديمة وقرطاسية، “فقد كانت المكتبة قبل خروج المنطقة من سيطرة الحكومة السورية مركزاً لتوزيع الصحف السورية والعربية والأجنبية”، بحسب صاحبها.

وطيلة سنوات الحرب في الرقة منذ العام 2012، لم يغادر “الخابور” المدينة، “انتظرت الفرج لتعود المكتبة لألقها كما كانت في السابق حين كانت قُبلةً لمثقفي الرقة وكتّابها الذين رحلوا إما عن الحياة في غالبيتهم أو أن الظروف باعدت بينهم”.

ويتذكر صاحب المكتبة تلك الأيام: “في صبيحة كل يوم، كان يجتمع عندي في المكتبة مثقفو الرقة وكتّابها، من بينهم الطبيب والقاص والسياسي عبد السلام العجيلي (….) أتذكر صوته الأجش، حينما كان يسألني عن جديد الصحف العربية والعالمية”.

ويقتصر ارتياد مكتبة “بور سعيد” بعد نقلها للمستودع على كبار السن، كما يشير أحد هؤلاء الروّاد أثناء اللقاء مع “الخابور” في القبو المهجور، “كلهم مسنون يجمعهم شيءٌ واحد، وهو أنهم، ومنذ خروج الرقة عن سيطرة الحكومة السورية، لم ينتموا لأي تيار سياسي أو فصيل عسكري، مرَّ على المدينة”.

ورغم ذلك، كان “الخابور” قد تعرض إلى مضايقات كثيرة من مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، قبل طردهم من الرقة عام 2017، “إذ  قاموا بحرق العديد من الكتب والمخطوطات النادرة في المكتبة”، لكنه قام في خريف العام 2018، بإعادة  تأهيل مكتبة “بور سعيد” من جديد بمساندة من لجنة الثقافة في مجلس الرقة المدني، والتي ساعدت في إعادة تركيب رفوفها، بحسب صاحب المكتبة.

ولفت “الخابور” إلى أنه كان يحتفظ بمجموعة كتب ومجلدات وصحف خبأها في مستودع خاص لم تطله أيادي عناصر التنظيم.

ولم تقف معاناة صاحب المكتبة في الحرب عند هذا الحد، فلقد تعرض منزله للتدمير عند اشتداد المعارك ما بين مسلحي تنظيم “داعش” وقوات سوريا الديمقراطية عام 2017.

وتمكّنت “قسد” بدعم من التحالف الدولي، بعد معارك طاحنة دامت أكثر من ثلاثة أشهر، من طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من الرقة في خريف عام 2017، ليبدأ السكان بالعودة إلى منازلهم مع بداية العام 2018.

“الموبايل أحرق الكتاب”

ورأى خليل العجيلي (70عاماً)، وهو موظف متقاعد وأحد روّاد مكتبة الخابور، أن “الموبايل أحرق الكتاب وأجهز عليه، وقبل ذلك لعب الستالايت دوراً في التأثير على إقبال الناس على قراءة الكتاب الورقي، وفي وقتنا الحالي يلعب الواقع الاقتصادي دوراً كبيراً في القطيعة ما بين الكتاب والناس”.

وأضاف أنه “من النادر أن تجد بين فئة الشباب اليوم من يقرأ روايةً أو مذكراتٍ شخصية عالمية أو يطالع في كتب التاريخ أو الفكر”.

وقال أيضاً: “الشباب يفضّلون شراء موبايل بأربعمئة ألف ليرة، على أن يشتروا كتاباً بمبلغ بسيط، فجلُّ اهتماماتهم هو التفاعل مع بعضهم البعض على صفحات فيسبوك بـ(أعجبني)”.

ويصل عدد الكتب الموجودة في مكتبة المركز الثقافي في الرقة إلى سبعة آلاف كتاب، ويبلغ عدد الأشخاص الذين يستعيرون كتباً من مكتبة المركز الثقافي في الرقة بشكل يومي، /25/ شخصاً وسطياً، بحسب الرئيس المشارك للمركز الثقافي في الرقة، فراس رمضان.

ولفت “رمضان” إلى أن بعض الشباب يستعيرون قصصاً ودواوين شعر، أما المثقفون من كبار السن، فيميلون لقراءة الكتب البحثية والدراسات.

تفاؤل

واتفق زياد الحمد، الرئيس المشارك للجنة الثقافة في مجلس الرقة المدني، مع مهتمين بالجانب الثقافي في الرقة، على أن قضية إغلاق مكتبة الخابور هي شأن ثقافي عام في الرقة، “مكتبة بور سعيد ملكٌ لجميع المثقفين ولجميع أبناء الرقة”.

وأضاف: “لو كنا نعلم كأناس مهتمين بالحركة الثقافية في الرقة، لقمنا بتقديم كل ما يلزم  لتستمر المكتبة في عملها”.

وقال “الحمد” أن “المكتبة تستحق أن تعود قريباً وكما كانت سابقاً، وبإشراف صاحبها أحمد الخابور عليها”، لكنه لم يوضّح أي تفاصيل عن كيفية تحقيق ذلك.