القاهرة – محمد أبوزيد – نورث برس
طرح النفوذ التركي المتنامي في المنطقة، تساؤلات بشأن الأدوار العربية لمواجهة التحركات التركية التي ترى فيها بعض الأطراف العربية، بصورة أو بأخرى، تهديداً للأمن القومي العربي ككل، فبينما هناك قرارات وبيانات صادرة تحت مظلة الجامعة العربية من شأنها مواجهة النفوذ التركي، إلا أن البعض يراها بعيدة عن التطبيق المباشر، على وقع انقسامات عربية في الموقف من تركيا.
وبينما نبَّهت التحركات التركية في المنطقة دولاً عربية -بشكل عملي ومباشر- لخطورة ما يمثّله نفوذ أنقرة المتنامي على مصالحها وأمنها القومي، إلا أن دولاً أخرى لا تزال ترتبط بعلاقات قوية مع المشروع التركي، بحسب سياسيين.
والتزمت الدول الفاعلة على خط المواجهة مواقف وتحركات نظريّة إلى حدٍّ كبير، باستثناء التهديد المباشر الذي وجهه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في شهر حزيران/ يونيو الماضي، بالتدخل العسكري المباشر في ليبيا حال تجاوزت تركيا محور (سرت-الجفرة).
النفوذ التركي
وقال إلهامي المليحي، وهو محلل سياسي، إن “الأطماع التركية تطال المنطقة العربية، لكن من يواجه تلك الأطماع عدد محدود من الدول العربية، في مقدمتها مصر والجيش الوطني الليبي والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فضلاً عن سوريا، فيما تواجه بعض الدول المشروع العثماني الجديد بالصمت، معتقدةً أن ذلك يكفي لحمايتها من أخطار المشروع على بلادها”.
وأسهمت هذه التحركات بشكل كبير في تحجيم “المشروع”، وذلك نظراً لجدية هذه الدول ولكونها تملك من الإمكانات العسكرية والسياسية والاقتصادية “ما يمكّنها من تحقيق أهدافها في مواجهة هذا المشروع الاستعماري التوسعي”، وفقاً للمليحي.
وأشار “المليحي”، في تصريحات خاصة لـ”نورث برس”، من العاصمة المصرية القاهرة، إلى أن ما يؤخِّر “إيقاف المشروع التركي التوسعي هو الانقسام العربي في التعامل مع الأطماع التركية، فبينما تواجهه بعض الدول، فإن هناك دولاً تدعم المشروع اقتصادياَ وسياسياً، متمثلة بقطر وحكومة السراج في ليبيا”، على حدِّ قوله.
وأضاف أن المشروع “يحظى كذلك بدعم كل فروع حركة الإخوان المسلمين في البلاد العربية، وهناك دول عربية تدعم المشروع من خلال التعاطي السلبي معه مثل الجزائر والمغرب لاعتبارات داخلية تتعلق بقوة أحزاب سياسية في مجتمعاتها”.
وبالرغم من أن هناك قرارات للجامعة العربية تدخل في إطار مواجهة النفوذ التركي، إلا أن تأثيرها ينحصر في المواجهة السياسية، “فالجامعة إرادة أنظمة ولا تملك الآلية لتنفيذ قراراتها”، وفق المليجي.
دول المواجهة
وبدوره، قال أيمن سمير، وهو خبيرٌ في العلاقات الدولية، في تصريحات خاصة لـ”نورث برس” من العاصمة المصرية القاهرة، إنه ربما يمكن جذب الدول العربية ذات المواقف “الرمادية” من التدخلات التركية نحو مجموعة الدول العربية التي تواجه تركيا، لكن الأمر بحاجة إلى مبادرات وجهد شعبي ورسمي، على حدِّ قوله.
وأرجع “سمير” التباين في المواقف العربية إلى أن الأمر يعود إلى طبيعة كل نظام سياسي في كل بلد، “فهناك نظام يحافظ على شعبه وعلى أمنه القومي، وهناك أنظمة ارتهنت لمصالح خارجية، مثل رئيس حكومة الوفاق الليبية”.
ليبيا نموذجاً
وحول تفاوت المواقف العربية، يمكن الإشارة إلى الملف الليبي، على اعتبار أن هناك توافقاً بين مجموعة دول عربية على مواجهة النفوذ التركي، بينما هناك خلافات بين تلك الدول في التفاصيل السياسية، على غرار الخلاف الدائر بين مصر والإمارات والسعودية حول ماهية الشخص الذي يمكن أن يخلف قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر.
وقال زياد عقل، وهو خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن مواقف الدول في الأزمات الدولية تتحدد على أساس المصالح.
وأشار إلى أن ليبيا، على سبيل المثال، لم تشهد تحالفاً إقليمياً واضحاً، رغم أن “ما نراه فيما يتعلق بالتدخل التركي الآن يعيد إحياء فكرة ضرورة وجود تحالف عربي، وهو ما لم يتواجد حتى اللحظة”.
وأوضح أن “العالم العربي ككل لم يكن له أي تحالف فاعل في ليبيا (..) فجامعة الدول العربية نفسها مؤسسة مترهلة وليس لها دور فاعل (…)، واليوم هناك تغيرات كبيرة في الداخل الليبي، إضافةً إلى تصاعد الصراع على موارد الغاز في المتوسط”، في إشارة منه إلى تنامي الدور التركي في شرقي المتوسط.