عمالٌ في حلب يعطون الأولوية للاستمرار في أعمالهم رغم انتشار كورونا في منشآتهم

حلب – نورث برس

يستمر عبد الستار حمادة (32 عاماً)، وهو عامل في ورشة لتصنيع الألبسة الجاهزة في حي الجابرية بمدينة حلب، شمالي سوريا، في الذهاب للعمل رغم أن خطر إصابته بفيروس كورونا يتزايد يوماً بعد آخر نتيجة انتشار الجائحة في المدينة، لكنه يرى أن عدم قدرته على تأمين الاحتياجات الغذائية لعائلته أقسى وأمرُّ من آلام ومخاطر المرض.

وشهدت قطاعات عمل في مدينة حلب، مؤخراً، إصابة بعض العاملين فيها بفيروس كورونا، ورغم تغيبهم بسبب الأعراض الشديدة، لم يتوقف زملاؤهم عن الدوام في المعامل والقطاعات ذاتها، بحسب عمال من المدينة.

وقال “حمادة”، لـ”نورث برس”، إنه مضطر للاستمرار في العمل مهما تصاعدت التحذيرات من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا، وذلك لتأمين احتياجات أسرته المكوَّنة من خمسة أبناء وزوجة إضافة لوالدته وشقيقته.

وأضاف: “لربما أنقل العدوى لأسرتي، لكن هل أترك العمل وأتعرض للحاجة التي هي أشدُّ من المرض؟ فنحن العمال الذين يعيشون على دخل يومي أو أسبوعي أمام خياري الاستمرار في العمل واحتمال الإصابة من جهة أو الجوع والحاجة من ناحية أخرى”.

وذكر العامل أن أغلب العاملين في ورشته لا يراعون القواعد الصحية المتعارف عليها للوقاية من فيروس كورونا، “وهم محقّون بذلك، فلا يمكن ارتداء كمامة بجوٍّ حارٍ وضمن شروط عمل قاسية تمتد لأكثر من /12/ ساعة “.

وأُصيب بعض العاملين، ممن يعرفهم حمادة ويتقاضون أجراً أسبوعياً لا يتخطى حاجز الـ/25/ ألفاً، بالوباء وتغيّبوا عن أعمالهم، “ولكن ضرر تغيّبهم وعدم تلقّي معاشاتهم الأسبوعية فاقَ المخاطر التي تهدد صحتهم”، وفقاً لكلامه.

وبلغت عدد الإصابات في محافظة حلب حتى الآن /210/ إصابات، شُفي منها /20/ بينما سُجِّلت ثلاث وفيات، وفق وزارة الصحة السورية.

ولا يختلف حال محمود الأبير (25 عاماً)، العامل في ورشة دهان، عن حال سابقه، فهو يرى أن “الذهاب للورشة والعمل لعشر ساعات متواصلة  يُنسي المرء خطر كورونا، ويجعله يركِّز فقط على الكَسب”.

وأضاف الشاب، الذي يساعد والده الموظف المتقاعد في إعالة أسرة مكوّنة من ثمانية أفراد، أن تجربة فرض حظر التجول على مدينة حلب وتوقف جميع مراكز العمل في آذار/مارس ونيسان/مايو الماضيين ارتدّت سلباً على موقف العمال من الحظر، “فقد عانينا الأمرين بسبب التوقف عن العمل، وحُرمت أسرتي من المدخول المادي الذي آخذه لقاء عملي”.

ورغم أن الحكومة السورية كانت قد وعدت بعد فترة فرض الحظر خلال الربيع الفائت بتعويض العمال عن تضرر أعمالهم بمبلغ /100/ ألف ليرة كتعويض عن تعطّل الأعمال، إلا أنهم لم يحصلوا على شيء حتى الآن، “بل عبارة عن وعود فارغة وكلام على ورق”، على حدِّ تعبير “الأبير”.

ولفت “الأبير” إلى أن راتب والده التقاعدي لا يتجاوز /30/ ألف ليرة سورية، بينما حاجة أسرة عددها ثمانية أشخاص في ظل الغلاء وسوء الوضع المعيشي تتجاوز /300/ ألف ليرة سورية، وفقاً لكلامه.

وبالرغم من الانتشار الكبير والمتسارع  للفيروس في حلب وتوقف عدد من المشافي الحكومية عن تقديم الخدمات الاعتيادية للسكان، مطلع الشهر الحالي، بعد تحويلها إلى مراكز استقبال للمصابين بفيروس كورونا فقط، كمشافي الرازي وابن الرشد والجراحة الجامعي، لاتزال معظم الأعمال والمصالح الصناعية والتجارية في حلب تعمل كالمعتاد.

ويقول أرباب أعمال إنهم يعملون جاهدين لتذليل العقبات أمام العاملين والمساهمة في تقليل أعداد الإصابات في منشآتهم من خلال التأكيد على الإجراءات الاحترازية ولو بالحدِّ الأدنى، لتفادي خسائر اقتصادية للعاملين ولأرباب العمل على حدٍّ سواء.

وقال جاك بحاتي (51 عاماً)، وهو صاحب منشأة “بحاتي” لصناعة الخشب والمفروشات في المدينة الصناعية في الشيخ نجار، إن أربعة عاملين في منشأته أُصيبوا بفيروس كورونا، “أحدهم لا يزال في مرحلة الخطر في مشفى زاهي أزرق والآخرون يتماثلون للشفاء”.

وأضاف: “صحيح أن الإنتاج في معملي تعرض للضرر بسبب الإصابات، ولكني أواصل العمل ضمن شروط صارمة، كأن يكون لكل منهم أدواته الخاصة التي لا يتشاركها مع غيره، والحالة المُشتَبهُ بها تُمنَح إجازة مأجورة لمدة /15/ يوماً”.

ورغم أن صاحب المنشأة يشدد على أنه لم يوقف رواتب المصابين من عماله، وأنه يتابع وضعهم الصحي والمعيشي، إلا أن  بعض العمال لا يرون في ذلك قاعدة تتبعها جميع المنشآت أو على المدى البعيد إن استمر انتشار الفيروس.