هل غيّرت “كورونا” عادات متجذرة في مجتمعات شمال شرقي سوريا؟

القامشلي – محمد حبش – نورث برس

في سوريا، جاءت جائحة كورونا كأزمة إضافية على ظروف الحرب والأزمة السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات، فوضعت المجتمع أمام تحديات كبيرة مختلفة وانسحبت على مسألة السلوك والعادات الاجتماعية المتجذرة ومدى الاستعداد للتخلّي عن بعضها في حال طالت فترة الإجراءات الوقائية، لا سيما في المجتمعات الأكثر تمسكاً بالعادات كما في بعض مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا.

وتشير تقارير علمية إلى أن الجنس البشري يعيش بعد ظهور الجائحة مرحلة مفصلية في تغيير سلوكه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فمعركة البشرية مع الأمراض المعدية، معركة تاريخية راح ضحيتها مئات الملايين من البشر، ويأتي فيروس كورونا كآخر هذه الأمراض، حتى بات من المستحيل التكهّن بأعداد من سيلقون حتفهم وكيف ستغدو على المدى الطويل الأنماط الاجتماعية المتجذرة في بعض المجتمعات.

 زفاف مختلف

وترك الفيروس المستجد آثاراً مختلفة على تفاصيل الحياة اليومية للسكان في شمال شرقي سوريا، ويمكن ملاحظة التأثيرات من جهة التخلّي عن بعض التقاليد الاجتماعية التي ترافق مناسبات تتميز بالتجمّعات الكبيرة مثل حفلات الزفاف ومجالس العزاء.

وبات من المعتاد أن تجد البعض وهم يتجنبون هذه المناسبات بخلاف العادة، إذ كان من الممكن أن يواجه المتجنبون لهذه المناسبات، ولا سيما مجالس العزاء، انتقادات لاذعة من المحيط قبل مرحلة انتشار الفيروس، بالإضافة إلى ذلك فإنه حتى الأشخاص المضطرون للحضور لأسباب القرابة يتعاملون بحذر شديد مع التقاليد المتبعة في السابق مثل عادتي المصافحة والتقبيل.

فمنذ الـ/23/ من آذار/مارس الماضي، أثناء مرحلة حظر التجول الأول الذي فرضته الإدارة الذاتية، اضطر الكثيرون من سكان المنطقة لتأجيل مناسباتهم مثل حفلات الزفاف بسبب المخاوف من انتشار الفيروس، وفي مقابل ذلك عمد البعض إلى تغيير النمط السائد في عقد هذه المناسبات بما يتناسب مع الوضع القائم.

سَرحَد عبدي، وهو من سكان مدينة القامشلي، “اضطر” لتنظيم حفل زفافه خلال حظر التجول، بعد أن كان قد حدد موعد الحفل قبل إعلان الحظر بنحو شهر وكان قد قام بحجز صالة الأفراح وغيرها من الترتيبات المعتادة.

وقال في حديث لـ”نورث برس”: “كانت زوجتي، ككل الفتيات، تحلم بعرس مختلف، ولكن الحظر فرض علينا أموراً أخرى. لقد استمرت حفلة زفافنا قرابة نصف ساعة وانتهى كل شيء”.

وأضاف: ” كان من المقرر أن يكلِّف الحفل قرابة مليوني ليرة سورية ولكن لم يكلِّف سوى /200/ ألف ليرة فقط. كانت الحفلة مختلفة جداً بخلاف المقرر، كل شيء حدث بعكس ما خططنا له، لقد مرت الحفلة دون ضجيج”.

فنجان واحد للجميع

في المقابل هناك بعض المجتمعات في هذه المنطقة تسير الأمور فيها على النحو المعتاد قبل انتشار الوباء، إذ تتميز بعض المجتمعات في شمال شرقي سوريا بانتماء الشخص لمنظومة العادات والتقاليد السائدة في المحيط أكثر من انتمائه لأي شيء آخر، وعليه، لم تطرأ أي تغييرات في العادات ضمن هذه المجتمعات على الرغم من انتشار الفيروس.

ويرى البعض أن “العُرف العشائري يحول دون” اتخاذ الإجراءات الوقائية، فالمجتمع العشائري، بحسب هؤلاء، يعتمد في تكونيه على مجموعة “من العادات والأعراف المترسخة التي يصعب على الفرد المنتمي لهذا النوع من المجتمع تجاوزها”.

وقال عبد الكريم الحسن (55 عاماً)، وهو من سكان مدينة الرقة إنه “إذا أراد أحدهم التقبيل ورفض الآخر فإن ذلك يعتبر، بحسب العرف العشائري، نوعاً من التعالي والغرور وقد يثير الحساسية بين الطرفين”.

وأضاف: “لذا لم يطرأ أي تغيير على النظام العشائري بعد ظهور جائحة كورونا، وذلك بسبب الثقافة السائدة فيه”.

وزاد “الحسن”: “ما تزال المصافحة والتقبيل والاجتماعات في المضافات وتقديم القهوة العربية بطريقة شرب الجميع من الفنجان ذاته أمراً لا بُدّ منه، لأن رفض أحدهم الشرب يعتبر عيباً”.

ويضطر عبد الكريم الحسن أن يسلِّم بالعادات السائدة في محيطه الاجتماعي لأن تجاوزه للعادات السائدة سيعرضه “للسخرية والتهكم”.

لا تغيير بين ليلة وضحاها

ويرى مختصون في مجال علم الاجتماع، أن العادات والتقاليد تترسخ بعد مرور سنوات طويلة وتتحوّل إلى سلوك وتصرفات عفوية مع الزمن، لذلك فإن تغييرها يحمل الكثير من الصعوبة ويحتاج إلى وقت طويل.

وقال محمد أسود، وهو أخصائي اجتماعي مقيم في هولندا، إن: “الأحداث العظيمة هي وحدها التي تُحدِث هزة في البناء الاجتماعي، وربما هدمه إذا كان الحدث ذا عصف عظيم”.

وأضاف: “عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية بمجرد رفع إجراءات العزل الاجتماعي، يعني أنه لا تغيير في السلوك الاجتماعي”.

ويرى “أسود” أن الجائحة لم تصل بعد لمستوى الخطورة، لكنه قال: “إذا استمرت لفترة أطول، وحصدت الكثير من الأرواح، وشلّت الحياة الاقتصادية للناس، من المُحتمل أن تُحدِث صدعاً في البناء الاجتماعي”.

وقال أيضاً إن: “التباعد الاجتماعي الطويل الأمد قد يؤدي إلى نوع من فقدان الثقة الاجتماعية بين الناس، فينظر الإنسان إلى جاره أو زميله أو أي شخص آخر على أنه مصدر تهديد لحياته، مما يؤدي إلى بعض التفكك في البناء الاجتماعي، فتنهار قيم الغيرية، وتطفو قيم الأنانية”.

أما رافع إسماعيل، المقيم في القامشلي، فيقول إن العادات والتقاليد “جزء من منظومة العلاقات والضبط الاجتماعي التي تعمل بشكل فطري وتغيير هذه المنظومة يندرج ضمن (التغيير الاجتماعي) الذي يُعتبر من أصعب أنواع التغيير”.

وأضاف “إسماعيل” الحاصل على دبلوم في علم الاجتماع من جامعة دمشق، أن “مسألة تغيير العادات والحكم على إيجابيتها أو سلبيتها يتوقفان على مدى الاستعدادات النفسية والمجتمعية، كذلك يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمدى الخطورة والفائدة من تغييرهما ومدى تقبّل المحيط الاجتماعي لهما في البداية”.

وقال إن من أهم مقومات تغيير العادات هو مدى مستوى الوعي ومرونة المجتمع لتنبنّي عادات جديدة، ويتوقف كذلك على المستوى الاقتصادي للفرد، فمستوى دخل الفرد يُعتبر، على سبيل المثال، من المقومات الأساسية في التزامه بأساليب الوقاية ومستلزماتها، على حدّ قوله.

ما دور الحكومات؟

تذهب بعض التقارير في هذا المجال إلى أن للحكومات دور رئيسي في تغيير العادات الاجتماعية، ففي الصين مثلاً، اضطرت الحكومة إلى حجر الناس في منازلهم بالقوة مقابل توفير احتياجاتهم اليومية، والذي بلغ أحياناً درجة إيصالها إلى المنازل.

وفي بريطانيا، اعتبر البعض تصريحات رئيس الوزراء، بوريس جونسون، حول الفيروس “صادمة” حين قال إن المرض سيصيب سبعين بالمئة من شعبه، الأمر الذي جعل الناس يسارعون إلى المتاجر الكبرى لشراء الحاجيات.

وفي سوريا، يتهم مراقبون للشأن العام حكومة دمشق بإخفاء الأعداد الحقيقية للإصابات كما تواجه الحكومة تهماً تتعلق بـ”التقاعس” في فرض الإجراءات الاحترازية في مناطق سيطرتها، الأمر الذي ساهم بتفشي الفيروس بين السكان بسبب عدم أخذ الأمر على محمل الجد، وفقاً لسكان.

وفي مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، تواجه السلطات المحلية انتقادات تتعلق بتراخي الإجراءات وضعف آلية مراقبة سيرها أثناء فترات حظر التجول بالتزامن مع ضعف الإمكانات في ظل غياب الدعم الإنساني من قبل الجهات الدولية المعنية ولا سيما منظمة الصحة العالمية، وفقاً لتصريحات صادرة عن الإدارة الذاتية.

وقال رافع إسماعيل إن “تركيبة النظام السياسي وبنيته والتزامه وتقيده بالقوانين، تحدد مدى التزام أفراد المجتمع باتباع وتقبّل عادات جديدة أو رفضها أو التخبّط بين تطبيق القانون والعادة”.

وأضاف المختص في مجال علم الاجتماع: “يعتمد وعي الناس وجديّة الجهات المختصة وفاعليتها في إثارة وعي الناس بإيجابية العادة أو سلبيتها، وأيضاً قدرة أجهزة ومؤسسات الدولة الثقافية والتعليمية والإعلامية في القيام بواجباتها بطرق مبتكرة لتنبيه الناس إلى تبنّي أنماط سلوكية جديدة”.

أما محمد أسود، فيشير إلى أن دور الحكومات “يكمن في السهر على تطبيق إجراءات العزل، وإن اضطرت في بعض الأحيان إلى ممارسة الضغط على المواطنين لجعلهم يلتزمون بهذه الإجراءات، وذلك للصالح العام”.

وقال: “لا شك أن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق المؤسسات والمنظمات في التعاطي مع هذه الجائحة، من خلال توعية المواطنين، واطلاعهم على حقيقة الأمر كما هو دون مبالغة، أو تقصير، وإقناعهم بضرورة الالتزام بإجراءات التباعد أو العزل الاجتماعي”.