عمال من الرقة في بيروت: تذكرنا الانفجارات والقصف في مدينتنا

الرقة – مصطفى الخليل – نورث برس

أعاد انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت والمشهد الدامي لتلك اللحظات إلى مخيّلة شباب من الرقة يعملون في بيروت، هلعهم وخوفهم وما حلَّ بمدينتهم شمالي سوريا أثناء المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي ومسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العام 2017.

وتعرض مرفأ بيروت لانفجار هائل  في الرابع من شهر آب/أغسطس الجاري، أودى بحياة أكثر من /171/ شخصاً وأسفر عن إصابة أكثر من /6500/ بجروح، بالإضافة إلى تضرر أحياء واسعة في العاصمة وتشريد نحو /300/ ألف من سكانها بعد تضرر منازلهم، بحسب وزارة الصحة اللبنانية.

وقال عبد الرزاق المحمد (33عاماً)، والذي ينحدر من مدينة الرقة ويقطن الآن في حي “الكرنتينا” شمال شرقي بيروت، إن اللحظات التي أعقبت الانفجار كانت عصيبة، “وبالرغم من أن المنزل الذي أتشارك السكن فيه مع مجموعة من العمال السوريين كان على بعد /2/ كم عن مرفأ بيروت، إلا أنني شعرت وكأن الانفجار وقع تحت المنزل الذي تهدم آنذاك”.

وأضاف عبر الهاتف لـ”نورث برس”: “تطاير زجاج النوافذ وأحسسنا أن دواراً أصابنا…لشدة الصوت”.

وكان المحمد، الذي يعمل الآن سائق سيارة أجرة في بيروت، قد سافر إليها بحثاً عن العمل بدايات عام 2018 بعد طرد تنظيم “الدولة” من الرقة، ليعيل زوجته وطفليه الصغيرين الذين تركهم في بيت أهله الواقع في حي المختلطة شرقي مدينة الرقة.

ويشبّه “المحمد” هلع جارته السبعينية في الحي وخوفها في تلك اللحظة على ابنها الوحيد الذي ذهب برفقة حفيدها إلى البحر، بهلع أمه بسبب الانفجارات عندما كانت الطائرات تقصف في الرقة طيلة سنوات الحرب، “نزلت أم طوني إلى الشارع مذعورةً وهي ترسم الصليب بيدها على صدرها، وتبتهل إلى الربِّ وتستنجد بالعذراء”.

 ويضيف: “أمي أيضاً كانت ترفع يديها في الرقة إلى السماء وتدعو “يالله… يا ربي دخيلك…حقاً الحرب لا دين لها”.

ويتمنى “المحمد” حالياً العودة إلى الرقة بأقرب فرصة، ولكن رغم شوقه لعائلته، تقف موانع كثيرة أمام تحقيق رغبته، فهو مطلوب للخدمة العسكرية الاحتياطية ضمن قوات الحكومة السورية، “بحثت عن طرق تهريب بعيداً عن أعين قوات النظام لأصل إلى الرقة، ولكن كثيرين نصحوني بالبقاء في بيروت”.

وكانت السفارة السورية في بيروت قد قالت، الأسبوع الماضي، إن عدد الضحايا السوريين بسبب الانفجار وصل إلى /43/ شخصاً، في حصيلة غير نهائية، وأن السفارة “تقدِّم كافة التسهيلات لنقل جثامين بعض الضحايا إلى سوريا، والمساعدة على دفن البعض الآخر في لبنان”.

وبعد الانفجار، توجَّه خلف الحسن (27 عاماً)، الذي هاجر من منطقة الكسرات جنوب الرقة، من العمل في مهنة تركيب البلاط والسيراميك إلى العمل في مجال تركيب الزجاج؛ “فالانفجار الشديد سبب تحطّم واجهات محلات ومنازل في أماكن عدة في أرجاء العاصمة اللبنانية بيروت”.

وأضاف: “الساعة السادسة والربع تقريباً، وقبل الانفجار بلحظات، سمعنا صوتاً غريباً، خرجتُ إلى الشرفة لأستطلع الأمر، وبعدها تحوّلت سماء بيروت إلى غيمة سوداء”.

ويقطن “الحسن” منذ أربع سنوات مع زوجته وطفله الصغير في بيت استأجره في منطقة برج حمّود، أحد أكبر أحياء العاصمة اللبنانية.

يقول “الحسن” أيضاً إن بعض العمال السوريين مدّوا يد العون لضحايا انفجار بيروت، “فقام شباب سوريون بالمشاركة في إسعاف الجرحى ونقلهم إلى المشافي والتبرع بالدم للجرحى”.

 وبحسب “الحسن”، فإن موقف العمال السوريين ومبادرتهم لمدّ يد العون لبعض الجرحى اللبنانيين في تلك اللحظة، “انعكس بشكل إيجابي لدى سكان بيروت ليس فقط على المستوى الشعبي بل حتى على المستوى الرسمي”.

ولفتَ إلى أن “عناصر الدرك اللبناني كانوا قبل الانفجار يقومون بترحيل العمال السوريين وملاحقتهم في حال كانت أوراق إقامتهم منتهية، أما بعد الانفجار فصاروا يغضون الطرف ويتساهلون حتى مع من يحملون أوراق إقامة منتهية”.

وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا بعد الانفجار صوراً لضحايا سوريين، من بينهم أشخاص ينحدرون من مدينة الرقة، بالإضافة إلى صور مفقودين لا يزال مصيرهم غير معروف حتى الآن.

وذكرت المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني، الاثنين، أنّ “عمليّات البحث عن المفقودين إثر ​انفجار​ ​مرفأ بيروت​ لا تزال مستمرّة منذ لحظة وقوع النكبة حتّى هذه الساعة”.

وقبل انفجار مرفأ بيروت بلحظات، كان إسماعيل العلي (20 عاماً)، والمنحدر من مدينة الرقة، يتوجه بالسيارة هو وصاحب ورشة الدهان التي يعمل بها من شارع الحمرا وسط بيروت إلى حي السلم جنوبها، حيث يقطن هو ومجموعة من العمال من أبناء الرقة.

واعتاد “العلي” أن يقوم “مُعلِّمه” اللبناني بإيصاله بسيارته إلى منزله بعد الانتهاء من عملهم، “لكن هذه المرة كانت مختلفة عن سابقاتها، شعرت بأن باب السيارة قد انطبق بعنف وكأن شيئاً ما قد دفعها بقوة إلى الخلف، إضافة إلى الغبار والأحجار التي بدأت تتدافع باتجاه السيارة من كل مكان”.

وأضاف: ” شاهدنا الناس يتدافعون مضطربين في الشوارع، ولم أشعر أن ساعد يدي اليمنى قد أصابه جرحٌ، حينها عرفنا أن انفجاراً كبيراً قد وقع في بيروت”.

ويتمنى “العلي” العودة إلى الرقة قريباً، فأوضاعه المادية ليست جيدة في بيروت كما يقول، فالأجور انخفضت وقلة فرص العمل تجعله يعمل يوماً ويبقى أياماً دون عمل، “كانت يوميتي تصل إلى خمسة وثلاثين دولاراً، أما حالياً انخفضت لخمسة دولارات”.

لكنه يقول إنه لا يستطيع العودة لأنه مطلوب لقوات الحكومة السورية لتأدية الخدمة الإجبارية، كما أنه لا يرغب في تأدية خدمة الدفاع الذاتي التي تفرضها الإدارة الذاتية في مناطقها.