أحمد اليوسف.. شاعر من منبج عاد يسأل عن حال الثقافة بمدينته

منبج – صدام الحسن – نورث برس

مساء كل يوم، يدخل أحمد اليوسف (34عاماً) إلى إحدى غرف منزله التي حوّلها إلى مكتبة بمنزله في مدينة منبج، شمالي سوريا، يمسح الغبار عن بعض الكتب ويتصفحها، ليجلس بعدها على طاولته لإكمال روايته التي بدأها منذ قرابة ستة أشهر، حول قصة حياة شاب ومعاناته خلال سنوات الحرب السورية.

ورغم المعاناة التي قاساها كما معظم الكتّاب السوريين خلال السنوات السابقة، إلا أن آلام الحرب وهموم التدهور المعيشي لم تبعده عن الإبداع الذي يرى نضجه نتيجة لتلك المعاناة.

مسيرة دراسية شاقة

وينحدر “اليوسف” من قرية طوق الخليل بريف مدينة منبج الجنوبي، حيث لا يزال أفراد عائلته الذين يعملون بالزراعة يقيمون هناك.

وكان قد اضطر بعد ترفعه للسنة الثانية في كلية الحقوق بجامعة حلب، وبسبب ظروف عائلته المادية، إلى ترك دراسته، لينتقل بعدها في العام 2006 إلى العاصمة اللبنانية بيروت.

وفي لبنان، قام “اليوسف” بالتسجيل في قسم اللغة العربية بالجامعة اللبنانية، “مررت هناك بظروف قاسية جعلتني إنساناً آخر، عملت نادلاً في مقهى وعملت في ورش إنشاءات وإعمار، لم أترك عملاً وإلا عملت به من أجل توفير مصاريف الدراسة، ومن كل هذه الظروف بدأت كتاباتي بالنضج شيئاً فشيئاً”.

كان “اليوسف” قد بدأ شغفه بقراءة الكتب ومحاولة الكتابة وهو طالب في الثانوية العامة، فكان حينها يتردد إلى المركز الثقافي في مدينته، يقراً دواوين الشعر ويحفظ بعضاً منها مع كتابة بعض القصائد النثرية، وفق قوله.

وكان في المرحلة الابتدائية يضطر لقطع مسافة ستة كيلومترات إلى مدينة منبج يومياً، لعدم توفر مدرسة في قريته، “كنت متعلقاً كثيراً بالمدرسة، لم يكن هناك حينها وسائل نقل كما الحال الآن، كنت أقطع ستة كيلومترات ذهاباً واياباً للوصول إلى المدرسة، عانيت الأمرين حتى وصلت للمرحلة الثانوية”.

انتقل أحمد اليوسف في المرحلة الثانوية للسكن في مدينة منبج لإتمام تعليمه، ثم التحق بكلية الحقوق بناءً على رغبةٍ من عائلته التي أصبح بمعزل عنها وعن محيط القرية، فكانت فرصةً له للتردد على المركز الثقافي بالمدينة ليبدأ بمطالعة الكتب، “لم أترك ديوان شعر في المركز الثقافي وإلا وقرأته”.

ويضيف: “من لا يقرأ يعجز عن الكتابة، حين أتوقف عن القراءة أعجز عن الكتابة، فالمطالعة أساس الكتابة”.

تهمة الشعر

بعد أربعة أعوام من الدراسة والعمل في لبنان، عاد اليوسف إلى مسقط رأسه وذلك بعد إتمام الدراسة الجامعية، لكنه اضطر أن يغادرها مرةً أخرى في العام 2014 بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) عليها، “غادرت مدينة منبج إلى تركيا لخوفي من التنظيم الذي ضيّق عليّ بتهمة كتابة الشعر”.

في تركيا، عمل “اليوسف” في معامل مختلفة لتأمين لقمة عيشه، “لكن يشعر المرء أنه ذليل في بلاد ليست بلاده، بلاد تريد أن تمتص كل شيء فيك، تريد أن تأخذك لحماً وترميك عظماً، تحاول استنفاذ كل طاقتك”، بحسب تعبيره.

وكان مسلحو تنظيم “الدولة” قد قاموا أثناء سيطرتهم على مدينة منبج عام 2014، بإحراق قسم كبير من الوثائق والكتب التي كانت موجودة في المركز الثقافي بالمدينة، وحوّلوه لمقر أمني تابع لهم، حيث غاب المشهد الثقافي عن منبج كلياً طيلة سيطرة التنظيم عليها.

انتظر أحمد اليوسف طرد تنظيم “الدولة” من منبج، ليعود إليها عام 2016، إذ بدأ حينها بتنظيم العمل الثقافي في منبج وإصدار كتابيه، والمشاركة بمسابقات الشعر على المستويين المحلي والعربي.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد قامت بدعم من التحالف الدولي في الأول من حزيران/يونيو من العام 2016، بحملة لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من منبج، لتتمكن في الـ/15/ من شهر آب/أغسطس من العام ذاته من طرد مسلحي التنظيم من منبج.

“عدت إلى مدينة منبج، بدأت أولى خطواتي بالعمل مع العديد من المثقفين في المدينة لإعادة جمع كتب المركز الثقافي ووضعها في مكتبة تليق بها، أسميناها مكتبة الشاعر محمد منلا غزيل، الذي طالما تأثّر معظم شعراء منبج بطريقته في كتابة الشعر”.

ومحمد بن منلا بن محمد الدرويش هو شاعر وكاتب من مدينة منبج، اشتهر بلقب جده “غزيل” بين السكان، له أعمال شعرية ونثرية مطبوعة وتوفي بمدينة منبج في العام 2016.

كتابات نضجت مع الألم

وقام “اليوسف” بالاشتراك مع عدد من شعراء مدينة منبج، وبرعاية اتحاد المثقفين بالمدينة، بتنظيم أمسيات شعرية وندوات ثقافية بعد عودته إلى منبج، كان آخرها أمسية شارك فيها قبل نحو شهر ونصف.

وفي العام 2017، طبع أحمد اليوسف أول ديوان شعري له بعنوان “لك الورد غنى”، من منشورات دار حنين للنشر والطباعة في السويداء، وهو “حصيلة لجميع القصائد التي كتبتها منذ بداية مسيرتي الشعرية، حمل في طياته المعاناة والوطن والشوق والغزل وعنوان الديوان هو أحد عناوين قصائدي التي كتبتها عن مدينة دمشق”.

يصف “اليوسف” نفسه “بشاعر ولد من رحم المعاناة والألم”، فهو يعتبر أن ما عاشه من ظروف معيشية صعبة في حياته، ساهمت في نضج كتاباته وجعلت منه شاعراً.

أما ديوانه الثاني فحمَلَ عنوان “منك تغار النساء”، والذي طبعه في مطبعة سيماف في القامشلي بعد عامٍ من نشر ديوانه الأول، واحتوى أيضاً على قصائد غزلية ووطنية.

ويعمل “اليوسف” حالياً على إصدار ديوانه الثالث، بعد إتمام كتابته وتنقيحه، “ويحمل الديوان في طياته العديد من القصائد التي تعكس الواقع الذي يعيشه كل مواطن سوري”.

وشارك أحمد اليوسف في العديد من الفعاليات والمهرجانات الشعرية في الوطن العربي، “في أغلب الأحيان لم أستطع الحضور شخصياً لعدم قدرتي على السفر وكنت أرسل القصائد عبر الإنترنت”.

وحصل في العام 2015 على المركز الأول عن قصيدة غزلية شارك بها في مسابقة الشعر العربي في المغرب (تقام من قبل اتحاد شعراء المغرب)، وحصل على المركز الأول في مهرجان أحمد شوقي للشعر في مصر في العام ذاته، بينما حاز عام 2017 على المركز الثاني في مهرجان “أوصمان صبري” الثاني في القامشلي.

وبالإضافة للكتابة الإبداعية، يعمل “اليوسف” الآن كمحرر في مجلة شرمولا (مجلة أدبية ثقافية تصدر باللغتين الكردية والعربية في شمال شرق سوريا)، بالإضافة لمقالاته الثقافية في زواية “واحة الثقافة” في جريدة “روناهي”، كما أنه  رئيس مشارك لاتحاد المثقفين في مدينة منبج، وعضو في عدد من المنتديات الشعرية في البلاد العربية.