لبنان.. أسواق لبيع القلوب

زحمة على مطار بيروت.. الأمريكاني، الفرنسي، ومن ثم التركي، ولا ننسى قول أحمد داوود أوغلو، عقل حزب العدالة والتنمية: “حيث يرفرف علم فرنسي ستجدون قبالته علماً تركياً”، بما جعل من كلام أوغلو قاعدة ومبدأً، وهذه تعبيراته في ليبيا حيث ترتسم الزلازل الكبرى، ومن بعده في لبنان، ولا ندري أي زلازل سيحملها التركي إلى لبنان، بل ما سيحمله الصراع الفرنسي التركي على لبنان.

الأمريكان يريدون كل شيء:

ـ المرافئ، والمطار، والمعابر وسلاح حزب الله لا سيما الصواريخ الدقيقة.

ويريدون:

ـ ترسيم الحدود، ولا ندري مع ترسيم الحدود، ما الذي تحمله الخريطة الجديدة.. مزارع شبعا سوريّة، كما وقائع يومياتها وتاريخها، أم إسرائيلية، ولكنها لن تكون للبنان ولا في حال. هذا عداك عن ترسيم الحدود البحرية حيث غاز المستقبل، فإسرائيل وقد وافقت على النقاط الـ/13/ التي طالب بها الجانب اللبناني فيما يتعلق بالحدود البرية، لن تتوافق حول الحقول النفطية وتحديداً البلوك النفطي رقم /9/ والذي تفوق مساحته الـ/850/ كلم مربعاً ويُحكى عن وجود كميات غاز ضخمة فيه تحاول إسرائيل بدعم الأمريكيين اقتطاع أو قضم أكبر مساحة يمكن أن تحصل عليها من هذا الحقل من الجانب اللبناني، علماً أن لبنان يؤكد أن هذا الحقل النفطي يقع بالكامل ضمن المياه الإقليمية اللبنانية”.

والأمريكان يريدون:

ـ خروج حزب الله من سوريا، وربما بتوافقات روسية أمريكية.

هذا ما يريده الأمريكاني، وليس من عاقل يعثر على علاقة (عاطفية) ما بين لبنان والولايات المتحدة، فيما يذهب الفرنسيون ومع كل مناسبة إلى التأكيد على أنهم (الأم الحنون) للبنان، متجنبين أن يكونوا آباءه تحسّباً من قتل الأب، تلك العقدة التي ألحّ عليها فريدريك نيتشه في فلسفة “هذا هو الانسان”.

الفرنسيون، مثل الأمريكان، كذلك يريدون كل شيء، سوى أنهم يريدونه بالقضم لا بالابتلاع ، بمناديل الحرير لا بالجرافات، وليس من عاقل بوسعه أن يرى السياسات الفرنسية وقد خرجت من المعطف الأمريكي، فالمعطف اتسع للاتحاد الأوربي برمته، وكنا قد استمعنا إلى لبنانيين يرددون “أبدًا لن ننسى أمّنا الحنون”، ولهذا فليس مستغرباً أن يُحاط الرئيس إيمانويل ماكرون بكل هذه الاحتفالات والقبلات والدموع، وسط كل هذا الخراب، متكئاً على  تراث سابقيه من الرؤساء، فما أن أُعلنت نتائج فوز الرئيس السابق نيكولا ساركوزي حتى جاء لبنان.. جاء لبنان في مرحلة حساسة بعد الاتفاق على انتخاب ميشال سليمان رئيساً، فيما سبقه جاك شيراك إلى لبنان ما بعد اغتيال الحريري بساعات ليكون واحداً من متقبّلي التعازي إلى جانب السيدة نازك الحريري، محاطاً بسعد وبهاء. وحين يكون الكلام عن الفرنسيين، فلا بد أن للفرنسيين ما يقولونه للبنان، فهذه فرنسا ومنذ القرن الثالث عشر، أخذت على عاتقها حماية الكاثوليك في لبنان في معاهدة صيغت عام 1535 وامتدت مراسلاتها بين الملوك الفرنسيين والبطاركة منذ ذاك العهد إلى اليوم، لتخلق فرنسا فيما بعد دولة لبنان الكبير، إيفاء بوعدها للبطريرك الماروني إلياس الحويك، في سبتمبر/أيلول 1920، وهي المناسبة التي يعود ماكرون إلى لبنان الشهر القادم للاحتفال بها، وبيده العصى لمن عصا من اللبنانيين.

كل ذلك ولا بد أن الفرنسيين سيسعون إلى إزالة نصب شهداء لبنان في طرابلس حيث يحمل في فراغه المقاتلين اللبنانيين بمواجهة الانتداب الفرنسي.

ما الذي سيتبقى للأتراك؟

ليس لهم من مأثرة في لبنان، كل ما تركوه أهراءات القمح التي لم يطلها الانفجار كما حال الرافعات والبيوت المسكونة بالإطلالة على البحر، ولهذا كان على الرئيس أردوغان، وقبل الانفجار بأشهر أن يتسلّل إلى لبنان، وثمة مرجعية شمالية لها باعها الطويل في العمل السياسي يقول في جلسة خاصة: “كلّ الدول والأشخاص والأجهزة تحتاج لأشهر وربما لسنوات، لاحتلال طرابلس قهراً أو حبّاً، إلا تركيا وأردوغان، هم بحاجة لدقيقة واحدة، تبدأ من أن تقرّر تركيا أردوغان أن تحتلّ طرابلس، وتنتهي بتجاوب شعبي كاسح مع هذا القرار”. ويسترسل: “لقد تمكّن أردوغان، بفضل إعلامه وأدائه السياسي، من احتلال قلوب الطرابلسيين وعقولهم في رحلة البحث عن زعيم وقائد. وعندما يغيب الجميع تسهل المهمة أمام أردوغان”.

ـ يا الله.. لقد احتل أردغان عقول الطرابلسيين وقلوبهم، هكذا (!!)

المعلومات الموثقة تحكي غير ذلك، تحكي عن خارطة العمل التركي في  لبنان  والشمال تحديداً، وهي خارطة لا تعتمد على مسلك واحد، بل تتشعبُ ضمن مسالك، وذلك لخدمة هدف واحد وهو إمساك تركيا بملف الشمال اللبناني. ومن بين هذه المسالك، مسلك الاستخبارات التركية المركزية عبر ثلاثة أطراف لبنانية تتواصل مباشرة مع الاستخبارات التركية وهي الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، مضافاً لمنتديات نبيل الحلبي الموالية لبهاء الحريري، وهذ أردوغان يعلن عن عطاء للتركمان من اللبنانيين:

ـ أعلنوا أصولكم التركية وخذوا الجنسية التركية، وعلى الفور.

ومع إعلانه ذاك، ثمة خطوط لحرّاس الأدغال من الإسلاميين، تمتد من أنقرة، إلى سوريا، وصولاً إلى شمال لبنان.

ـ أمريكان وفرنسيون وأتراك، وكان يكفي لبنان كلاباً بوليسية مدربة، بديلاً عن القوات الفرنسية وقد بلغ عديدها /250/ جندي فرنسي للتحقيق في الانفجار الكبير وقد صاحبوا وزيرة الجيوش الفرنسية، غير إنه لبنان، ذاك البلد الذي لا يحتمل دويلة ولم يبق على الدولة، فيما الأصابع الإيرانية تلعب بكل شيء.. كل شيء، من توطيد الدويلة، إلى خراب الدولة، ليكون لبنان، كل لبنان على مائدة الضباع، وقد أنتج:

ـ أكبر مأثرة للفساد تمتد من وليد جنبلاط إلى جبران باسيل وما بينهما من 8 و 14 آذار، لصوص المال العام، ومنتجو تكنولوجيا الكراهية، ليكون كل واحد من طبقته السياسية سوبر فساد لإدارة البلاد كما لو أنها تدير الجحيم.

وها هو لبنان اليوم، يبحث في الـDNA لقتلاه.

قتلى المرفأ، وقتلى المجاعة، وقتلى انسداد الأمل، وثمة من يبشّرنا بأن الانفجارات القادمة ستكون الزلازل القادمة عبر التلويح بتفجير المطار، لتلحق ناغازاكي المطار بهيروشيما المرفأ.

هذه السفيرة دوروثي شيا تنبّه القيادات اللبنانية من (اللحظة التاريخية تلك)، وبكل أدوات الأمر توجه رسائلها إلى اللبنانيين، أدوات من مثل :”يجب” “يستلزم” “ينبغي”.

وهذا ماكرون يعِدُ اللبنانيين بالعودة إلى بيروت ليفحص نتائج ما بعد اجتماعه بقيادات لبنانية في قصر السنوبر، كما لو كان مفتش حسابات.

وذاك رجب أردوغان يبحث عن قدم تركية في الميناء اللبناني الخراب، ليضيف الخراب إلى الخراب.

أما عن الإيراني، فهو صاحب البيت اللبناني، وهو يخوض معركته مع (الشيطان الأكبر) بدماء اللبنانيين.

اللبنانيون البسطاء، يحكون عن ثقافة القلب.

ونحن كذلك نحكي عن ثقافة القلب.

كان علينا أن نحكي عن أسواق القلب لا ثقافته.. لا يستلزم الأمر الكثير من البراهين:

ـ ألا تجد على ناصية من شارع الحمراء سيدة تعرض وليدها للبيع؟

من قال أن وليدها ليس مهجة القلب؟