ضربة مصرية يونانية لأردوغان في المتوسط

ضربة مصرية يونانية لأردوغان في المتوسط

ضربة جديدة وجهتها مصر إلى تركيا، عندما عقدت اتفاقا مع اليونان لترسيم الحدود البحرية بين البلدين في المتوسط، وهي ضربة جاءت بعد فترة من إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي استعداد بلاده للتدخل العسكري في ليبيا، إذ شنت القوات التابعة لحكومة السراج وتركيا هجوماً على الجفرة وسرت، وهو ما أدى إلى توقف هجوم هذه القوات حتى الآن.

 وقد سبق الاتفاق المصري-اليونان اتفاق مماثل بين اليونان وإيطاليا لترسيم الحدود البحرية بينهما، وتزامن ذلك مع إرسال ألمانيا فرقاطة عسكرية إلى المتوسط للمساهمة في عملية إيريني الأوروبية الخاصة بمراقبة تدفق الأسلحة والمسلحين إلى ليبيا، حيث تشكل هذه الخطوات وغيرها مسارات رادعة لأطماع أردوغان في المتوسط وشمال أفريقيا، ولعل هذا ما دفع بأنقرة للمسارعة إلى الهجوم على الاتفاق المصري-اليوناني وإعلان رفضها له، والقول إنه غير قانوني لأن منطقة الجرف البحري في الاتفاق تقع في منطقة (الجرف البحري التركي) وفي قلب منطقة اتفاق أردوغان-السراج.

وعليه، يمكن القول إن الاتفاق المصري-اليوناني قد حمل جملة من المؤشرات التي من شأنها إفشال استراتيجية أردوغان في المتوسط وليبيا، ولعل من أهم هذه المؤشرات:     

  1- أن الاتفاق المصري-اليوناني جاء ليحدد الحدود البحرية بينهما، وبالتالي المنطقة الاقتصادية الخالصة للاستفادة من ثراوتهما، وجاء الاتفاق وفقاً للقانون الدولي وقانون البحار 1982 وبين دولتين عضويين في الأمم المتحدة، وهو ما يشكل صفعة لاتفاق أردوغان-السراج بحكم أنه غير متوافق مع القانون الدولي.                                                     

2- أن الاتفاق المصري-اليوناني يقطع الطريق البحري أمام المنطقة التي تنص عليها اتفاق أردوغان-السراج، وهو ما يضع أردوغان في موقف حرج، فإما القبول بالاتفاقية المصرية-اليونانية أو الذهاب إلى مواجهة عسكرية في المتوسط.                                                          

3- أن الاتفاق المصري-اليوناني كشف حقيقة كذب الدبلوماسية التركية، بعدما ادعت أن هناك محادثات بين أنقرة والقاهرة، وأن تقدماً تحقق بين الجانبين بخصوص تفاهمات في المتوسط وليبيا، إذ جاء الاتفاق ليكشف أن الدعاية التركية لم تكن سوى محاولة للتشويش على المحادثات التي كانت جارية بين مصر واليونان ومنعهما من التوصل إلى الاتفاق المذكور، حيث روجت تركيا بأن الاتفاق المصري-اليوناني يقطع مساحات بحرية هائلة من حصة مصر في محاولة للتأثير على الرأي العام المصري، وقد نفت الخارجية المصرية صحة التصريحات التركية هذه.                        

4- أن الاتفاق ينهي وصاية أردوغان على السراج بحرياً، إذ أن الاتفاق يجعل من المنطقة البحرية الليبية الواقعة تحت سيطرة حكومة السراج مفصولة في البحر، وهو ما يجعل السراج من دون تأثير في معادلة المياه البحرية، طالما أن المنطقة الممتدة من سرت إلى الحدود المصرية تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي بزعامة اللواء خليفة حفتر.                    

5 – في إطار الخطوات المصرية اليونانية القبرصية في المتوسط، ثمة حديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بين اليونان والحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، وإذا ما تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فان ذلك سيقطع الطريق بشكل كامل أمام اتفاق أردوغان-السراج، نظراً لأننا سنصبح أمام منطقة بحرية متصلة بين منطقة شرقي ليبيا مع المنطقة البحرية لكل من مصر واليونان وقبرص وإيطاليا، وهو ما يعني فصلاً كاملاً بين المنطقة البحرية التركية والمنطقة البحرية الليبية الواقعة تحت سيطرة  حكومة السراج وجماعاتها المسلحة.                                

في جميع الأحوال، وضعت الاتفاقية المصرية-اليونانية تركيا أمام خيارات صعبة ستؤثر على استراتيجية أردوغان في المتوسط وليبيا وعموم شمال أفريقيا، فالقبول بالاتفاقية يعني التخلي العملي عن اتفاقه مع السراج، وهو أمر مستبعد في ظل الرفض التركي للاتفاقية المصرية-اليونانية وإعلان أردوغان المضي في دعم حكومة السراج حتى النهاية.

وعليه، ربما يلجأ أردوغان في الفترة القريبة المقبلة إلى اختبار القوة والنار في المتوسط، ومثل هذا الاختبار سيكون تكتيكياً لمعرفة رد الفعل الأوروبي قبل المصري-اليوناني على اعتبار أن الموقفين المصري واليوناني معروف مسبقاً، وهو الدفاع عن الاتفاق الذي وقع بينهما، فيما الموقف الأوروبي وكذلك الأمريكي سيكون المقياس لتطور الموقف التركي تصعيداً أو ربما بحثاً عن تفاوض من أجل اعتراف إقليمي بدور تركي في المتوسط.

ومهما يكن، فإن الاتفاقية المصرية-اليونانية عقدت من موقف أردوغان وخياراته وخلطت أوراقه من جديد، ولاسيما أن أي تراجع سينعكس عليه في الداخل، بعد أن رفع من سقف خطاباته النارية، وجعل من التصعيد في الخارج وسيلة للتعويض عن انهيار شعبيته في الداخل.