تركيا تتسلل إلى لبنان من باب تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا انفجار بيروت

اسطنبول ـ نورث برس

وجدت تركيا في الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت فرصةً لإيجاد موطئ قدم لها في تلك المنطقة، وكانت البداية من بوابة المساعدات الإنسانية والإغاثية التي أرسلتها إلى لبنان عقب الانفجار مباشرةً.

وأعرب مراقبون عن خشيتهم من تلك التحركات التركية المستترة بغطاء إنساني، وسط الخوف من أن تتغلغل تركيا لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية نكاية بدول أخرى، وخاصة فرنسا التي يبدو أنها تنبهت لهذا الأمر، فكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أول الرؤساء الحاضرين في مكان الحدث، الأمر الذي ربما أزعج أنقرة.

وحول ما تريده تركيا من لبنان، والطريقة التي ستستغل بها انفجار بيروت لصالحها، قال رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، المحلل السياسي الروسي، دينيس كوركودينوف، لـ”نورث برس”، إنه “لا يزال تأمين السيطرة على شرق البحر الأبيض المتوسط الشغل الشاغل لتركيا، ولا يزال لبنان لاعباً مهماً، يمثّل أولوية قصوى في سياسة تركيا الخارجية”.

كما يمثّل التفاعل بين أنقرة وبيروت اللتان تعانيان بالقدر نفسه من صعوبات كبيرة، بما في ذلك تلك المرتبطة بالمأساة الأخيرة في الميناء اللبناني، “فرصةً فريدةً لكلا البلدين لتعزيز موقعهما على الساحة الدولية من خلال اكتشاف حقول نفط وغاز طبيعي جديدة، وكذلك بفضل طرق التجارة على طول الساحل اللبناني”، بحسب كوركودينوف.

وأضاف أنه “في الوقت نفسه، وعلى خلفية الحملة العسكرية المصرية المرتقبة في ليبيا، قد تفكر تركيا بجدية في سيناريو تحديد منصات بديلة لتحقيق مصالحها في شرق المتوسط، بسبب مخاوف من تقييد نفوذها على حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج”.

وتابع أنه “بالنظر إلى أن بيروت منفتحة حالياً على أي مساعدة من المجتمع الدولي وحتى، إلى حدٍّ ما، مستعدة لتقليص سيادة دولتها مقابل ضمانات الانتعاش الاقتصادي في لبنان، فإن الاهتمام التركي بهذا البلد لا يمكن إلا أن يتزايد”.

وفي وقت رأى فيه مراقبون أن تركيا تسعى للتأثير على أي مكان يشهد اضطرابات وتوترات ومآسي عبر “القوة الناعمة” التي تتبعها من خلال التمدد إغاثياً وإنسانياً وطبياً ومن ثم تثبيت أقدامها والانطلاق نحو الجوانب السياسية والعسكرية، أكد المحلل الروسي أن هناك عقبات لا يمكن التغلّب عليها بين تركيا ولبنان.

وأضاف كوركودينوف أن “تلك العقبات بين الدولتين بسبب عدم استعداد أنقرة لتطوير علاقات تجارية وتعاون عسكري سياسي وثيق مع بيروت، والعقبة الرئيسية أمام ذلك هي اللوبي الأرمني الذي استقر في لبنان في بداية القرن العشرين، كون العامل الأرمني يعيق العلاقات التركية اللبنانية بشكل كبير”.

وأشار إلى أنه “من بين المشاكل الكبيرة التي تواجه تطوّر الحوار بين بيروت وأنقرة، اعتراف القيادة التركية عام 1950 باستقلال إسرائيل، وهي دولة لا يزال لبنان لا يعترف بها، ومع ذلك، لا تزال بيروت سوق مبيعات جذابة للغاية بسبب حقيقة أنها تعتمد بشكل كبير على السلع الأجنبية”.

ومن بين الملفات الخلافية بين تركيا ولبنان هو الملف السوري، في ظلّ التدخل التركي بسوريا وتوتر العلاقات بين بعض الأحزاب السياسية في لبنان وبين سوريا، إضافة لرغبة البعض في عودة العلاقات ما بين بيروت ودمشق.

وقال كوركودينوف إن “التقارب بين تركيا وسوريا، والذي بدأ عام 1999، أثّر بشكل مباشر على العلاقات بين تركيا ولبنان، فلطالما لعبت سوريا دوراً مهماً في لبنان، إضافة إلى ذلك ساهمت أنقرة في تحييد الخلافات الداخلية بين الشيعة والسنة والدروز في أيار/مايو 2008، وكذلك في تسوية الأزمة، مستخدمةً تأثيرها على دول المنطقة وعلى المجموعات اللبنانية”.

ويرجّح مراقبون، وبنسبة كبيرة، أن “القوة الناعمة التركية” ستجبر لبنان على الرضوخ للسياسة التركية، كونه لا مجال لـ”لبنان” اليوم سوى “الرضوخ” بسبب الكارثة التي حلّت به عقب الانفجار.

وفي هذا الجانب، قال كوركودينوف إن “المأساة التي حدثت مؤخرًا في المرفأ اللبناني من المرجّح أن تخلق أرضية إضافية للتقارب بين مواقف بيروت وأنقرة، فبيروت الآن في حاجة ماسة إلى الاستثمار الدولي الذي بدونه تخاطر البلاد بالتوقف عن الوجود على خلفية الصراعات السياسية الداخلية المستمرة، وتصرفات حزب الله والأزمة الاقتصادية العالمية”.

وأضاف أنه “في غضون ذلك، هناك عدد غير قليل من دول العالم التي ستكون مستعدة لتقديم مساعدة حقيقية للبنان، ومع ذلك ، كانت تركيا من أوائل الدول التي عرضت المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد اللبناني، الأمر الذي سيجعل لبنان يعتمد فعلياً على السياسة التركية”.

وشهد لبنان، الثلاثاء الماضي، انفجاراً ضخماً في مرفأ العاصمة بيروت أدى لسقوط أكثر من /154/ قتيل ونحو /5000/ جريح بينهم /120/ حالة حرجة، إضافة لخسائر مادية كبيرة، ما دفع بالسلطات اللبنانية لإعلان بيروت مدينة “منكوبة”.