محللون عسكريون: المشروع التركي في مواجهة دول المنطقة رهان خاسرة
القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
"تخوض مصر حرباً نيابة عن الدول العربية دفاعاً عن الأمن القومي العربي بأكمله"، هذا ما أكده محللون عسكريون في تصريحات منفصلة، شددوا فيها على أن القاهرة لدى مواجهتها ما وصفوه بـ "الأطماع التركية" إنما تحارب من أجل حماية أمنها القومي وأمن ليبيا، وكذا الأمن القومي العربي بصفة عامة، في ظل ما يشكله المشروع التركي من تهديد واسع لأمن واستقرار المنطقة، لسعي الأتراك من أجل استعادة أمجاد امبراطوريتهم العثمانية القديمة، وإحيائها في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وجاء قرار البرلمان المصري يوم الاثنين 20 تموز/ يوليو الجاري، بالموافقة على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية للقيام بمهام قتالية خارجية على الحدود الغربية مع ليبيا، كقرار تاريخي غير مسبوق، على اعتبار أن قرارات التدخل سابقاً لم تكن تمر على البرلمان. وقد جسد ذلك القرار -الذي تم إعلانه عقب جلسه سرية للمجلس- انعكاساً لطبيعة التهديدات التي تواجهها القاهرة على النطاق الاستراتيجي الغربي.
وسبق وأن حدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نقطة (سرت-الجفرة) كخط أحمر لتركيا والميلشيات المدعومة منها في ليبيا، مهدداً بتدخل عسكري مصري حال تجاوزت تركيا ذلك الخط. في الوقت الذي حصلت فيه القاهرة على تفويض من البرلمان الليبي من أجل التدخل، وكذا تفويض من القبائل الليبية، لشرعنة أي تدخل في ليبيا، في خطٍ متوازٍ مع مواقف عربية غالبيتها داعمة للموقف المصري، بما يعني أن القاهرة تؤمن ساحتها من خلال التسلح بشرعية قانونية حال اضطرارها إلى التدخل.
الأطماع التركية
وطبقاً لما أكده الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، فإن مصر خلال مواجهتها للأطماع التركية فإنها "تدافع عن المنطقة العربية كلها، وتدافع عن الأمن القومي العربي، ذلك أن تركيا تستهدف السيطرة على ثروات ليبيا والمنطقة، وفرض الهيمنة على المنطقة العربية واستعادة الإمبراطورية العثمانية القديمة".
ويتحدث فرج عن "شرعية التدخل المصري"؛ استناداً للمادة /51/ من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنح الدول حق الدفاع عن نفسها حال تعرضها لتهديدات مباشرة عند حدودها. وتحدث أيضاً عن منح القانون الدولي للدول حق التدخل في دول أخرى حال كان ذلك بطلب من المؤسسات الشرعية بالدولة (وهو الأمر المحقق من خلال تفويض البرلمان الليبي، برئاسة المستشار عقيلة صالح، للقوات المسلحة المصرية من أجل التدخل، وكذا القبائل الليبية التي أعلنت دعمها).
وتحدث الخبير الاستراتيجي المصري، عن المواقف الأوروبية المناهضة للتدخلات التركية في ليبيا، وكذا المؤشرات الصادرة عن الإدارة الأمريكية في ذلك الصدد، بعد إعلان البنتاغون في تقرير حديث له عن "أعداد المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم تركيا للقتال في ليبيا، وما تم تقديمه من إغراءات لآلاف المرتزقة".
المشروع التركي
ويواجه المشروع التركي في المنطقة مقاومة عربية، بزعامة مصرية مباشرة، لاسيما أن الظروف قد دفعت القاهرة إلى أن تأخذ زمام المبادرة، باعتبار مسرح الأحداث المباشر يحدها من الغرب، فضلاً عن قوة جيشها المصنف الأول في المنطقة. وقد بلغ التصعيد التركي-العربي ذروته، خارجاً من إطار التصريحات العربية -سواء من جامعة الدول العربية أو دول عربية بعينها- محذرة من مغبة التدخلات التركية، حتى التلويح باتخاذ مواقف خشنة في مقاومة تلك التدخلات في ليبيا، حال لم تلتزم تركيا بالخط الأحمر، وهي المواقف التي تعزز مواجهات دول المنطقة مع تركيا سياسياً على الأقل إن لم يكن هناك تدخل عسكري مصري.
ورغم الانتقادات الأوروبية للتدخلات التركية في ليبيا ودول المنطقة، إلا أن أنقرة تراهن في تدخلاتها على ورقة "المهاجرين" التي تمارس من خلالها ضغوطات على أوروبا، فضلاً عن مخاوف دول القارة العجوز من عودة المقاتلين الأجانب، وهي الرهانات التركية التي تحدث عنها عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، اللواء أركان حرب هشام الحلبي، والذي قال إن ما يحدث على الأرض هو الذي يحدد طبيعة التحرك المصري (في إشارة إلى الخط الأحمر الذي حددته القاهرة في وقت سابق، وأن تجاوزه يعني بدء التدخل المصري).
وقال إن القاهرة تهدف إلى الحلول السياسية والسلمية، وهو ما ظهر من خلال مبادرة أو إعلان القاهرة الأخير، والذي تم إعلانه بعد مشاورات تمت بين الرئيس المصري، ورئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح، وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، مشدداً على أن القيادة المصرية لديها ظهير سياسي وشعبي قوي يدعم تحركاتها في الملف الليبي، فضلاً عن مواقف الدول الأوروبية التي تدرك أهمية الموقف المصري وتدعمه.
وباعتبار أن المقارنات الاستراتيجية تصب في صالح الجيش المصري، الأقوى في المنطقة، والأقرب لمسرح العمليات في ليبيا، يعتقد مراقبون بأن أنقرة في التحشد الذي تقوم به على خط سرت، إنما هي "تستعرض قواها" في مناوشات كجزء من الحرب النفسية، لكنها ستفكر ألف مرة قبل الدخول في مواجهة مع القاهرة، قد تكون عواقبها وخيمة على الجميع، وهو ما ألمح إليه المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الذي قال إن بلاده لا تنوي الدخول في مواجهة عسكرية مع مصر أو فرنسا، ولا ترغب في التصعيد في ليبيا، لكنّه في الوقت ذاته أكد دعم بلاده لحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج.
الشرعية الدولية
وبعيداً عن المقارنات الاستراتيجية، فمن ناحية الشرعية الدولية، فإن الموقف المصري مصبوغ بتلك الشرعية، بينما التدخلات التركية في المقابل، تظل مُنتهكة لقرارات الشرعية الدولية، ومجلس الأمن في تدخلها في الشأن الليبي، وبالتالي فإن "الأمم المتحدة لن تستطيع حماية تركيا"، على حد تعبير الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء نصر سالم، والذي قال إن تركيا أبرمت صفقات واتفاقيات غير شرعية مع حكومة الوفاق -في إشارة لاتفاقية ترسيم الحدود، والتدخل العسكري التركي- لكنها لن تستطيع النيل من الشعب الليبي الرافض للتواجد التركي.
وشدد على أن "تركيا التي نجحت في السيطرة على شخص باع بلده، في إشارة إلى فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، فإنها لن تستطيع أن تسيطر على الشعب الليبي أو تنال منه، وأن الأمم المتحدة لن تقف صامتة أمام محاولات تركيا لاستعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد، وبالتالي فمن الضرورة بمكان أن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته في حفظ وحماية الأمن والسلم الدوليين ومواجهة التدخلات التركية ووضع حد لها".