يفترشون الأرضيات.. و”الغرفة الملكية” حلم لطلاب من عفرين في السكن الجامعي بالقامشلي

القامشلي – محمد حبش – نورث برس

 

في ممر بناء مدرسي في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، يتزاحم أكثر من عشرين طالباً أمام جهاز تبريد قديم (مكيف صحراوي)، وفي هذه الفوضى ينشغل البعض من هؤلاء الطلاب بتحضير دروس اليوم التالي  ويحاولون عدم الاكتراث بالضجيج المحيط بهم، بينما يتبادل آخرون أحاديث جانبية، في مشهد شبيه بسجناء في مهجع يفتقد لأدنى الخدمات.

 

بدا مصطفى قاسم (اسم مستعار)، وهو طالب في كلية الطب البشري في جامعة روج آفا، في غاية الحذر والحيطة، خلال حديثه لـ”نورث برس”، عن الحالة المزرية التي يعاني منها الطلاب المُهَجَّرون من عفرين في السكن الجامعي، مبرراً حذره بتنبيهات شفوية تلقاها مع زملائه بعد انتقادهم لأوضاعهم لدى إدارة الجامعة.

 

و”قاسم” البالغ من العمر /21/ عاماً هو واحد من بين /130/ طالب وطالبة، قدمت لهم جامعة روج آفا منحة دراسية بعد أن حُرموا من متابعة دراستهم في جامعة “عفرين” إثر الهجوم التركي على المدينة في /20/ كانون الثاني / يناير عام 2018، وحوّلت الجامعة مدرسة في القامشلي إلى سكن جامعي للطلاب الذكور، تتألف من /10/ غرف مخصصة لـ/40/ طالباً.

 

ووفقاً للمنحة التي قدمتها لهم الجامعة، كان يتوجب عليها توفير السكن والمأكل والظروف المادية المساعدة لهم لإتمام دراستهم.

 

لكن طلاب السنة الثانية لكلية الطب يعانون من ظروف معيشية صعبة بسبب نقص الإمكانات المقدمة لهم، فعند وصولنا للطابق الثاني من السكن كان بعض الطلاب يجلسون على الأرض مرتدين ألبستهم الداخلية فقط في محاولة للتخفيف من وطأة ارتفاع درجات الحرارة لعدم توفر وسائل التبريد في الغرف.

 

“هذا هو حال أطباء المستقبل”، يقولها قاسم بصوت خافت ساخراً، ويردف: “جميعهم عاطلون عن الأمل، يبحثون عن سبيل لتحقيق الاثنين معاً، حلم الدراسة ولقمة العيش”.

 

مصروف لا يكفي

 

قبل اتخاذ قرار دخول الجامعة عارض مصطفى قاسم أفراد عائلته الذين لم يكونوا موافقين على إتمام تعليمه نظراً للظروف الصعبة التي تعيشها العائلة، لكنه مع ذلك أصر على مرافقة الوفد الطلابي إلى مدنية القامشلي العام الفائت، ” لقد عارضت عائلتي لأن لدي حلم، ولكنني مجبرٌ على البحث عن العمل الآن لأن حالتي المادية سيئة”.

 

وتقدم جامعة روج آفا /30/ ألف ليرة سورية (حوالي 13 دولاراً) لكل طالب شهرياً، ويتأخر موعد القبض في بعض الأحيان لشهرين، بالإضافة إلى توفيرها لثلاث وجبات طعام في اليوم، يقتصر الفطور والعشاء على زيت الزيتون والزعتر فقط، والغداء على وجبة تحضرها عاملة وظفتها الجامعة، بحسب بعض الطلاب.

 

ويشمل المبلغ الذي تقدمه الجامعة، نظرياً، مصاريف المواصلات والمستلزمات الشخصية وتكاليف تصوير الكراسات والمحاضرات، إلا أن المبلغ لا يكفي لأسبوع، “وفي بعض الأحيان نتشارك نحن الطلاب في شراء الخبز من المصروف ذاته”، بحسب قاسم.

 

ويدفع كل طالب للمواصلات يومياً /400/ ليرة (12 ألف ليرة سورية شهرياً من الـ /30/ ألفاً المقدمة لهم)، لأن الجامعة لم تؤمن لهم مواصلات حتى الآن، بسبب عدم وجود سائق للحافلة المخصصة لنقل الطلاب بالرغم من تقدّم كثير من السائقين للوظيفة، بحسب الطلاب. 

 

يقول قاسم إنه بدأ مؤخراً بالبحث عن عمل ليستطيع إكمال دراسته، رغم أن إدارة الجامعة تفرض على طلاب قسم الطب البشري الالتزام بالدوام والدراسة فقط، “ولكنها عاجزة عن تأمين حاجاتنا البسيطة. الخيارات لدي باتت محدودة، فأنا لا أستطيع ترك الدراسة ومجبر على العمل أيضاً”.

 

ويتشارك طلاب السكن الحلم نفسه، وهو التخرج من كلية الطب، ولكن معظمهم يرغبون في البحث عن عمل، لأنهم يشعرون بالحرج حين يطلبون مصروفاً من عائلاتهم النازحة، بحسب طلاب تحدثوا لـ”نورث برس”.

 

وعن متابعة الدراسة، يقول أحد طلاب الطب البشري إن “عملية بحثنا عن البضائع الرخيصة تأخذ من وقتنا أكثر من الدراسة”، ويوافق زملاؤه على أنهم يتجولون في أسواق القامشلي بحثاً عن السلع الأكثر رخصاً لشراء الملابس وغالباً ما تكون وجهتهم محلات الألبسة المستعملة “البالة”.

 

“مستودع ملكي”

 

ويضمّ السكن غرفة يجمع فيها الطلاب المؤن المقدمة لهم من خضار وبقوليات ومنظفات وخبز، وعلى عكس كل غرف السكن، تحتوي الغرفة “مكيف غاز” لمنع حدوث تلف في الخضار نتيجة درجات الحرارة المرتفعة التي وصلت إلى /48/ خلال الأيام الفائتة.

 

ونظراً لبرودة غرفة المؤونة، أو ما يطلق عليها الطلاب اسم “المستودع الملكي”، قرروا النوم فيه بالتناوب.

 

وقال خالد علي (اسم مستعار)، وهو طالب في السنة الأولى من كلية الطب البشري، إن “النوم في المستودع الملكي فرصة جيدة، لكن يجب تحمل رائحة البصل حتى الصباح”.

 

وبدا “علي” البالغ من العمر /23/ عاماً للوهلة الأولى مرحاً، لكنه بدا أكثر جدية وتغيرت ملامحه الشابة عندما بدأ الحديث عن وضع السكن: “هنا من الصعب أن نعيش حياةً طبيعية، نخرج للجامعة صباحاً ونعود إلى السكن عند انتهاء الدوام، لا تتوفر مقومات الراحة، نفكر بما سنأكله وكيف سننام بضع ساعات وسط هذا الجو الحار”.

 

ويشدد على أن الجامعة، عندما وافقت على دراستهم وأعطتهم المنحة الدراسية، “تكفلت بتقديم كافة الأمور المادية إلى حين إتمام دراستهم”.

 

إقرار و” إمكانات ضعيفة”

 

وقالت الإدارية في جامعة روج آفا، روهان مصطفى، في اتصال هاتفي لـ”نورث برس”، إن انتقادات الطلاب “صحيحة والظروف صعبة بالفعل”.

 

وأشارت إلى أن إمكانات الجامعة لم تكن مناسبة لاستقبال هذا العدد من الطلاب، حيث يترتب على ذلك تأمين السكن والمأكل والمصاريف الشخصية، “فالأعداد التي جاءت من ريف حلب الشمالي فاقت قدرات الجامعة، حتى أننا نناقش إلغاء تقديم المأكل بسبب التكلفة المادية الكبيرة”.

 

لكن أقوال الإدارية في جامعة روج آفا والقرارات التي تتم مناقشتها لتخفيف المصاريف تتعارض مع المنحة التي قدمتها الجامعة للطلاب المُهَجَّرين، والتي تضمنت بنوداً تشمل تأمين المصاريف المادية والمسكن لتهيئة الظروف المساعدة على إتمام الدراسة.

 

لكن “مصطفى” تعود لتلفت إلى أنهم طالبوا الإدارة الذاتية، خلال اجتماعين سابقين، بتحسين الدعم المادي المقدم للطلاب، “لكننا لم نتلقَّ الموافقة حتى الآن”.