جمع النفايات في إدلب.. خيار أطفال نازحين لإعالة أسرهم
إدلب – نورث برس
وسط أكوامٍ من القمامة قرب مخيمات قاح بمنطقة إدلب على الحدود السورية التركية، يقلب عمر الصدير (١٢عاماً) من مدينة معرة النعمان، بقايا النفايات بعصا معدنية يبحث عن مواد بلاستيكية يمكنه بيعها والاستفادة من ثمنها رغم المخاطر التي يحمله هذا العمل الذي أفرزته الحرب السورية بكثافة.
ويقول "عمر" لـ "نورث برس" وتبدو ملابسه متسخة إنه ينطلق صباحاً إلى مكب النفايات ليجمع حتى نهاية اليوم ما لا يقل عن سبعة كغ من النايلون والاستفادة من ثمنها لشراء الخبز لعائلته المؤلفة من أمه وأربعة أخوة.
ويضيف، "نزحت منذ عام إلى هنا مع أسرتي بعد أن هدم الجيش منزلنا وسيطر على مدينتنا معرة النعمان، لذا نحن نعيش ضمن هذه المخيمات ونبحث عما يمكن القيام به لإعالة أنفسنا".
وتسببت العمليات العسكرية في منطقة "خفض التصعيد" بإدلب وريفها بنزوح آلاف الأسر السورية ممن فقدت استقرارها الاقتصادي، ليؤدي ذلك إلى تسرب أعداد كبيرة من الأطفال من المدارس، ليصبح همهم الأول البحث عن عمل يعيلون من خلاله أنفسهم وعوائلهم.
ولا يحبذ "عمر" ما آل إليه من حال، ويرغب في متابعة دراسته، لكن الوضع المادي لأسرته وبعد المدرسة عن مكان سكنه يعيقان رغبته في التعلم، ما يدفعه والكثير من الأطفال الآخرين لمتابعة جمع البقايا من بين القمامة.
ويعمل في جمع النفايات أطفال من مختلف الأعمار تبدأ من خمس سنوات وتنتهي بـ /15/ سنة، ويقوم هؤلاء بالبحث اليومي في المكبات والحاويات عن خردوات ومواد بلاستيكية، وعلب نايلون وأسلاك نحاسية وكل ما يمكن استخدامه سواءً للحرق أو لإعادة التدوير غير آبهين بما يمكن أن تسبب لهم عملية البحث تلك من أضرار جسيمة على صحتهم.
وأدى التنقيب في النفايات إلى إصابة الطفل فؤاد الشواف (١٠ عاماً) بالربو وبأمراض جلدية، ومع ذلك لم يتوقف عن عمله هذا، حيث يقول لـ "نورث برس" بلهجته العامية " ما حدا بيرضى يشغلني لأني صغير، ما لقيت غير هالشغلة لأصرف على حالي وعلى أهلي"، في إشارة منه إلى الوضع المادي التي تعيشه أسرته.
أما والدة فؤاد الأربعينية، فتقول بعبارات يطغى عليها الألم والحسرة مفضلةً عدم ذكر اسمها، "كنت أحلم أن ينال أطفالي كل الرعاية والاهتمام والتعليم، لكن الحال الذي بتنا عليه في النزوح والفقر والحاجة وخاصة مع إعاقة زوجي بعد إصابته بالقصف جعلنا نقبل مرغمين بإرسال أبنائنا لهذه الأعمال".
ومع وصول حافلة نفايات جديدة للمكب محملة بالقمامة يسارع الأطفال إلى موقع التفريغ للبحث بين الأكياس الملقاة ليختفوا وسط سحابة الغبار المنبعثة جراء إفراغ الحمولة.
ويعرّض هذا العمل هؤلاء الصغار لمخاطر وحوادث مؤلمة كتلك الحادثة التي لقي خلالها ثلاثة أطفال حتفهم في السادس من كانون الثاني/يناير من العام الحالي، نتيجة إفراغ شاحنة قمامة حمولتها عليهم، خلال عملهم بالبحث عن مواد قابلة للتدوير في بلدة معرة مصرين قرب مدينة إدلب.
وقال مصدر في جهاز الدفاع المدني بإدلب لـ "نورث برس"، إن فرقهم استغرقت أكثر من أربع ساعات في محاولة إنقاذ هؤلاء الأطفال من تحت أكوام القمامة بعد أن أبلغ عنهم أصدقائهم، وتمكنت من إنقاذ اثنين فقط، فيما أخرج الأطفال الثلاثة الآخرين جثث هامدة".
ولا يقتصر جمع النفايات على سكان مخيمات شمال سوريا، وإنما شمل المشهد مختلف مدن وبلدات ريف إدلب، ففي مدينة إدلب يتيح لك التجول باكراً رؤية مشاهد يصعب على الكثيرين رؤيتها، كرؤية طفل داخل حاوية يبحث عما يضيفه إلى كيسه، أو رؤية شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة يفتح الأكياس الملقاة إلى جانب الحاوية الكبيرة كونه لا يستطيع الوصول إلى داخلها، أوتشاهد ثالثاً على دراجة يضع عليها أكياس كبيرة معبأة بما جمعه من نفايات.
وباتت نبش القمامة مهنة يمارسها الكثيرون في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وسط تجاهل وعجز السلطات المحلية عن احتوائها ليستمر السوريون بمواجهة المأساة التي حلت بهم جراء الحرب.
وفي أحدث تقريرٍ لها، قالت منظمة الأمم المتحدة للأطفال "يونيسيف" إن "الأطفال يدفعون ثمن اشتداد العنف في محافظة إدلب، وأن حمايتهم إلزامية وليست خياراً" معتبرة أن "الأطفال في سوريا يتعرضون لعنف لا يمكن وصفه وأن أكثر من /٥٠٠/ طفل قتلوا أو أصيبوا خلال تسعة أشهر من عام 2019.
وترزح الشريحة الأكبر من السوريين تحت خط الفقر في ظل الحرب التي تشهده البلاد منذ آذار/مارس ٢٠١١، ونتيجة غلاء السلع وكذلك خسارة مصادر دخل الأساسية، يعاني السوريون من انعدام الأمن الغذائي، وفق ما أعلنه برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وفي تقريرها للعام 2019 قدرت الأمم المتحدة أن /83/ بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من /11/ مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.