في عيدها كل عام .. “مار إلياس” أقدم كنائس الجزيرة تلم شمل مسيحيي عامودا

عامودا- ريم شمعون-نورث برس

 

تعتبر كنيسة "مار إلياس الحي"، التي يعود تاريخ بنائها إلى العام 1928، من أقدم الكنائس التي بناها السريان في منطقة الجزيرة، وذلك إبان المذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق المسيحيين بداية القرن العشرين. حينها انحاز القسم الأكبر من السريان عن قراهم وممتلكاتهم في ناحية ماردين ومناطق طور عابدين إلى المناطق المحاذية في شمال شرقي سوريا ومن بينها بلدة عامودا حيث بنيت.

 

تهدمت الكنيسة وبقيت مهجورة لعقود قبل أن يتخذ مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، المطران موريس عمسيح قراره بإعادة ترميمها، وهو ذاته من قام بتدشينها لاحقاً في الـ20 من تموز/ يوليو عام 2017، حيث يصادف هذا التاريخ عيد القديس "مار إلياس" لدى السريان الأرثوذكس.

 

وأمس الإثنين، حلت الذكرى الثالثة لإعادة ترميم" الكنيسة التاريخية" كما يصفها المطران عمسيح.

 

 "لم شمل"

 

 وقد شهدت الكنيسة احتفالية بعيد القديس "مار إلياس"، حيث اجتمع عدد من أبناء البلدة ممن اغتربوا عنها في ظروف مختلفة، فكان عيد الكنيسة مناسبة للاحتفال بذكرى ترميمهما بمقدار ما كان مناسبة لإعادة شملهم من جديد، وفق العديد ممن حضروا الاحتفالية.

 

المهندس كيورك موشيخيان، في العقد السادس من عمره، من سكان عامودا وممن اضطروا إلى الهجرة قبل سنوات الحرب السورية، كان حاضراً في احتفالية العيد.

 

ورغم استقراره في الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 2008، إلا أنه لم ينقطع عن بلدته ومنزله حتى الآن.

 

 فعلى خلاف الكثير من المغتربين، يفضل "موشيخيان" العمل في أرضه بدل بيعها أو منحها لوكلاء من أجل إدارتها، إذ تمتد فترة بقائه في عامودا نحو ستة أشهر خلال العام.

 

ولا يخفِ فرحته بإعادة ترميم الكنيسة التي تهدمت وبقيت مهجورة على حالها بسبب هجرة أبنائها، ذلك أنها "كانت مبنية في البداية من اللبن الذي لا يصمد أمام عوامل الطبيعة من ثلوج وأمطار".

 

ويتذكر "موشيخيان"، الأرمني الذي درس بمدرسة السريان الخاصة، طفولته التي قضى جزءاً منها في باحة الكنيسة، لذا لا يزال يحتفظ بتفاصيلها حية في ذاكرته، "طول الكنيسة من الداخل \30\ متراً وعرضها \13\ متر، أما ساحتها الخارجية أو الملعب الذي كنا نلعب فيه فكان يصل طوله إلى \50\ متراً وعرضه نحو \44\ متراً".

 

هجرة أولى

 

ويقول "موشيخيان" إن أول موجة هجرة للمسيحيين من عامودا حدثت خلال الفترة بين عامي \1958-1960\، وذلك نتيجة للجفاف وقلة فرص العمل، إذ أدى تراجع الزراعة ونقص مواسم القمح بشكل خاص، إلى هجرة نسبة كبيرة من العوائل المسيحية التي كانت تبلغ أكثر من /400/ عائلة حينها، وفق تقديره.

 

 وكانت مناطق شمال شرقي سوريا قد شهدت خلال سنوات الحرب السورية موجة هجرة جديدة شملت مختلف المكونات، إلا أنها طالت بشكل أوسع المسيحيين، ولا سيما بعد تعرض قرى حوض الخابور الأشورية لهجوم واسع من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خلال شهر شباط/ فبراير من العام 2015، والذي نجم عنه اختطاف أكثر من /250/ مدنياً من قراهم ومنازلهم.

 

وتتحدث المصادر السريانية عن أن عامودا كانت تحتوي على أربع كنائس لطوائف مختلفة هي السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والبروتستانت أو الكنيسة الإنجيلية.

 

صلاة خاصة

 

  إلى جانب المطران موريس عمسيح، الذي أقام صلاة خاصة صباح أمس الإثنين بمناسبة عيد الكنيسة، حضر العديد من الآباء الكهنة وممثلون عن المجلس التشريعي ومؤسسات أخرى للإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة، بالإضافة للعشرات من الرعايا الذين قدموا إلى زيارتها من مختلف المدن والبلدات المجاورة.

 

 ويقول موريس عمسيح، مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس لـ"نورث برس": "بُنيت كنيسة عامودا علي يد آبائنا وأجدادنا الذين أتوا من ماردين والقصور وكل القرى المحيطة بها في العام \1928\، كما قاموا ببناء عامودا يداً بيد مع باقي مكونات المنطقة من كرد وعرب".

 

 ويضيف المطران: "عدا أن الكنيسة تاريخية هي مهمة بالنسبة لي على المستوى الشخصي،  ذلك أن والديّ تزوجا وتكللا فيها، وأنا افتخر أنني من هذه المدينة".

 

"أمل"

 

بعد أن كانت تسكنها المئات من العوائل المسيحية، لم يتبق في عامودا حالياً سوى خمسة عائلات مسيحية، وذلك بسبب ما شهدته من هجرة على فترات، إلا أن أملاكهم لا تزال على حالها، بما فيها المنازل والأراضي الزراعية رغم مرور عشر سنوات على الحرب، إذ حافظت المنطقة على التعايش بين مكوناتها حتى الآن.

 

ومارين يعقوب، الخمسينية، هي إحدى بنات عامودا التي اجتذبها العيد للقدوم وزيارة بلدة أجدادها من جديد، وفق ما تقول.

 

إذ تتذكر السيدة، التي قضت سنوات عمرها في القامشلي بعد أن غادرت عامودا مع عائلتها وهي لا تزال طفلة، كيف أنها بقيت تترد على البلدة مع جدتها طوال السنوات اللاحقة.

 

وتقول لـ"نورث برس":  "حتى بعد استقرارنا في القامشلي بقيت أتردد مع جدتي على عامودا، وبشكل متكرر، وكنت أقوم بزيارة الكنيسة وهي مهدمة، ولم أقطع زيارتي لها ابداً".

 

وتضيف السيدة: "لكن عند ترميم الكنيسة أحسست أن مار إلياس عاد ليعيش بيننا وسيكون سبباً في لم شمل أهالي عامودا من جديد".