كهف "الكاطر" بريف الرقة.. رغم الحفريات المجهولة زمن “"داعش" لا يزال مقصداً بالحر
الرقة- مصطفى الخليل- نورث برس
يتردد شعلان الكربو (21عاماً) مع مجموعة من شباب قريته "كسرة محمد علي" /9/ كم جنوب مدينة الرقة بشكل شبه يومي إلى كهف "الكاطر" الذي يقع بجوار منزله، يقضون فيه بعض الوقت خاصة في فترة الظهيرة والتي تشهد فيها درجات الحرارة في عموم المنطقة، ارتفاعاً ملحوظاً.
يقول الكربو، "لم ننقطع عن الدخول إلى الكهف إلا في فترة (داعش)، وقبل تلك الفترة وفي الوقت الحالي يقوم العديد من أبناء قرى الكسرات بالدخول لأماكن عميقة وبعيدة في داخل الكهف، والذي يضيق في بعض الأماكن ويتسع في أخرى".
ويقع كهف "الكاطر" على الطريق العام الرقة- دير الزور، بمحاذاة سلسلة جبال بشري ممتدة على طول ضفة نهر الفرات اليمنى، والتي تعد فاصلاً طبيعياً، ما بين منطقة حوض الفرات والبادية السورية.
وبالرغم من صعوبة الدخول إلى الكهف في الوقت الحالي، نتيجة الضربات التي تعرض لها مدخله من طائرات التحالف الدولي أثناء المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية وعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عام 2017، إلا أن العديد من الشباب من أبناء قرى الكسرات يرتادونه سواء في فترات الظهيرة أو فترات المساء.
عملية حفر مجهولة
وفي منتصف عام 2015، في الفترة التي كان يسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) على الرقة، قام عناصر التنظيم، بشق طريق عريض يُسهل دخول الآليات الثقيلة لقلب الكهف، واستمرت عملية الحفر تلك لمدة خمسة شهور، "وخلالها أصبح الدخول، لا بل والاقتراب محرماً حتى على جواره"، بحسب الكربو.
ولا يعرف الكربو، ولا غيره من أبناء قرى الكسرات جنوب مدينة الرقة لماذا كان عناصر تنظيم "الدولة" يقومون بعملية الحفر أمام مدخل كهف الكاطر، وما الهدف من ذلك؟.
وحتى حارس الكهف (فضل عدم التصريح باسمه) والذي كلفه عناصر التنظيم بمهمة حراسة الكهف والآليات الثقيلة التي كانت تقوم بعملية الحفر ونقل الأتربة من مكانها لتوسع الطريق إلى قلب الكهف، لا يعرف الأسباب التي دفعت عناصر التنظيم لهذا العمل.
"لا يصرحون بهذا الشيء أبداً، بداية قام متعهد بعملية الحفر تلك، وعندما اقترب الحفر من مدخل الكهف طردوا المتعهد، وتابع عناصر التنظيم الحفر بأنفسهم ولا يوجد معهم أي مدني"، حسبما يقول حارس الكهف.
وبحسب روايات بعض السكان في قرى الكسرات أن عملية الحفر التي قام بها تنظيم "داعش" في كهف "الكاطر" كان الغاية منها استخدام الكهف كمستودع للأسلحة، بالمقابل هناك من يشكك بهذه الرواية، فحسب قولهم إنه "من غير المرجح أن يضع عناصر التنظيم أسلحة في مكان رطب ككهف الكاطر، قد يؤدي إلى تلف الأسلحة وإلحاق الضرر بها".
في حين أن هناك قسماً من سكان قرى الكسرات يرون أن عملية حفر عناصر التنظيم، لكهف "الكاطر" سرٌ من أسرار التنظيم العسكرية، "لا يمكن التكهن به، والحقيقة فقط عند العناصر أنفسهم ومن فئة المهاجرين حصراً"، على حد تعبيرهم المقتضب جداً.
وإثر عملية حفر مدخل الكهف، وقُبيل وصول الآليات الثقيلة التي استخدمها عناصر التنظيم في عملية الحفر، تعرض مدخله إلى قصف جوي من قبل طائرات التحالف الدولي، أدى إلى تهشم مدخل الكهف وتوقف التنظيم عن عملية الحفر.
تسمية "الكاطر"
ويقول مصطفى الطه (63 عاماً) من سكان قرية كسرة محمد علي، والذي يقع منزله بالقرب من باب الكهف من الجهة الشمالية، أن سكان قرى الكسرات أطلقوا تسمية "الكاطر" على الكهف كون الماء يقطر من سقفه تقطيراً، في حين أن البعض يسميه "الناكوط" لذات السبب.
وتتجمع المياه في الكهف لتشكل جدولاً صغيراً يسير في نواحي عدة من أرجاء الكهف في الداخل، "ولكنها غير صالحة للشرب"، بحسب الطه.
من جانبه يقول علي الأحمد الشبلي (94عاماً) من قرية كسرة محمد علي، "منذ خمسة وسبعين عاماً الكاطر لم يتغير؛ بارد صيفاً وحار شتاءً، إلى أن جاءت الطائرات وخربته".
الكاطر، الكهف الذي يمتد طولياً مسافة/18/ كم، وله عدة فتحات وبوابات أشهرها في قرية كسرة محمد علي، ويمتاز بانبعاث حرارة لطيفة شتاء من فتحته، وبرودة شديدة صيفاً، كان يدفع مرتاديه قديماً للإفطار عند مدخله في شهر رمضان "لأن يتدثر ببطانيات ولحف ليلاً في عز القيض الحار"، حسبما يروي الشبلي.
ويؤكد الشبلي والذي يمتلك بيتاً قريباً من كهف "الكاطر" أنه لتفرده وبسبب برودته صيفاً كان مقصداً للعديد من الناس، ومنهم سواح من لبنان، وبعثة علمية ألمانية كانت قد زارت الكاطر تسعينيات القرن الماضي، كان أحد أبناء الشبلي قد رافقهم طيلة فترة مكوثهم في داخل الكهف لعدة أيام.
الشبلي يعرف كل زوايا كهف الكاطر زاوية زاوية، حيث كان في ريعان شبابه يقضي بعض الأوقات برفقة أبناء جيله هرباً من لهيب قيض الرقة آنذاك "لا يعيش في الكاطر إلا الحمام والحجل والخفاش، ولا تعيش الأفاعي والسباع به كونه بارد".
زمن تشكله
وحسبما يذكر عضو الجمعية الجغرافية السورية، أحمد الواجد وهو من سكان الرقة وأحد المهتمين بجغرافيتها، لـ"نورث برس"، أن كهف الكاطر يعود تشكله للزمن الجيولوجي الحديث، أي إلى/6/ ملايين سنة.
ويُسند الواجد، الحاصل على درجة الدبلوم في الجغرافية من كلية الآداب من جامعة حلب، كلامه إلى مراجع علمية وأسانيد معتمدة في الجامعات السورية ومنها كتاب "الجيولوجيا العامة للجغرافيين" وكتاب "جغرافية السياحة والخدمات" وكتاب "سوريا الإقليمية" وكتاب "سوريا العامة".
ويعلل الواجد السبب في عدم صلاحية الماء الموجود في كهف الكاطر للشرب، أن "نسبة الملوحة في ماء الكهف تبلغ خمسة غرامات في كل ليتر واحد من الماء".
ويضيف "وهذه المياه الجوفية تتبع حوض الجزيرة- جرابلس المائي، والذي تشكل مع بدايات تشكل الكهوف في الجزيرة السورية، وعموم سوريا".
وبحسب الواجد فإنه نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في كهف الكاطر وانخفاض الضغط "تكونت كربونات الكالسيوم على هيئة بلورات ناعمة تظهر في الطبقة العلوية من سقف الكهف على شكل صواعد ونوازل".