منع أعمال فنية من العرض في دمشق.. بين التقييم الفني والشخصنة

دمشق – أحمد كنعان – نورث برس

 

لا تزال أخبار منع عرض الأعمال الفنية موضوع جدل في الوسط الثقافي في العاصمة دمشق لتقابل باستنكار فنانين تشكيليين على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم الفنية، فيما يسخر بعضهم من هذه الرقابة واصفين إياها بالرقابة المجانية وعديمة الجدوى في الوقت الذي يستطيع المتلقي ببساطة متابعة الأعمال الممنوعة على الإنترنت.

 

فمن منعِ أغلب أعمال الفنانة التشكيلية عبير أحمد من العرض بحجة أنها أعمال إباحية، إلى منع أعمال النحات معن محمود من المشاركة بالمعرض السنوي الذي يقيمه مكتب المعارض في اتحاد الفنانين التشكيليين هذا العام.

 

وفي الوقت الذي اتهم فيه النحات معن محمود مديرية الثقافة بمنع أعماله بسبب خلاف شخصي، قال الشاعر والباحث في الفنون البصرية، علي الطه، إن منع الأعمال الفنية من العرض، "هو منع سياسي و ديني وأخلاقي واجتماعي على مر العصور".

 وإن أهم حادثة منع في العصر الحديث كانت على يد نابليون عندما دفع أحد أعمال الفنان التشكيلي غوستاف كروبيه (1819ـ 1877) بعصاه الماريشالية، وكان محتوى العمل امراه عارية تدير ظهرها للجمهور.

 

وأضاف أن كل المحدّثين في الفن التشكيلي تعرضوا للمنع وعانوه، بتهمة عدم مسايرة الذوق العام، "ففي سوريا، قام لؤي كيالي بحرق لوحاته بعد معرض كبير احتجاجاً على الموقف النقدي والرسمي من لوحاته، قام الفنان العالمي مالفا أيضاً بإحراق لوحاته احتجاجاً على موقف نقدي وغادر سوريا بعدها ليثبت جدارته ويحتل مكانة عالمية مهمة".

 

وعبّر "الطه" عن اعتقاده بعدم الجدوى من هذا المنع في عصر الإنترنت، فالمتلقي يستطيع متابعة ما يشاء من الأعمال الفنية والفكرية، "إن المساس بأي سلطة سواء كانت سياسية أو دينية  أخلاقية، غالباً ما يؤدي إلى المنع، ولكن لا أثر ملموس لهذا المنع حالياً، فنحن نتابع هذه الأعمال الممنوعة".

 

لكن النحات غازي عانة، والذي كان عضواً في المكتب التنفيذي في نقابة الفنانين التي أصبحت فيما بعد اتحاد الفنانين التشكيليين، قال لـ "نورث برس": "لم يسبق أن شكّلت لجنة لتحديد الممنوع والمسموح في الاتحاد، ولا يوجد سوى بعض التوجيهات العامة التي تراعي الآداب الاجتماعية المعروفة والرموز الدينية".

 

وأضاف: "إذا تقدم الفنان لعرض أعماله في الصالات التي تخص الاتحاد يتم مراعاة الآداب الاجتماعية، أمّا الصالات الخاصة فهي تعرض الإعمال النحتية واللوحات العارية، وتخضع مسألة العرض فيها لذائقة صاحب الصالة".

 

ورأى "عانة" أن "أهم مقومات عمل الفنان هي حريته وعدم تقييده بموضوع معين أثناء دعوته للمشاركة في المعارض السنوية وحتى معارض المناسبات في سوريا، لأن العمل الفني هو حالة تعبيرية وإبداعية تعكس مشاعر الفنان لحظة الاشتغال على العمل وليست حالة توصيفيه لهدف معين".

 

وقال أيضاً إنه لم يمنع خلال فترة وجوده في المكتب التنفيذي إلا الأعمال التي لا تحمل قيمة فنية فقط.

 

أمّا رئيس مكتب المعارض في اتحاد الفنانين التشكيليين، الفنان التشكيلي بشير بشير، فقال لـ "نورث برس": "نحن نرفض ونقبل الأعمال المقدمة للمعارض، ونقيمها بناءً على قيمتها الفنية ومدى احترافها، ولا نأخذ بعين الاعتبار أي مسالة أخرى سواء كانت شخصية أو غير ذلك، وهذا الأمر تقوم به لجنة مكونة من /11/ عضواً، من أهم الفنانين التشكيليين في سوريا ومن المدرسين في كلية الفنون الجميلة".

 

وبالنسبة لأعمال الفنانة عبير أحمد، قال "بشير": "ناهيك عن العري الفاضح الذي لا ينسجم مع الذوق العام في مجتمعنا، فأنا أرى أنّها أعمال بحاجة إلى تعميق الإحساس اللوني وتلافي الأخطاء التشريحية، لترتفع سويتها الفنية وتبتعد عن الشبهة بالرغبة فقط في تقديم عمل جريء دون الأخذ بالنسب الذهبية لتكوين العمل التشكيلي"، بحسب تعبيره.

 

لكن الباحث في الفنون البصرية "علي الطه" يتساءل: "من الذي يقرر النسب الذهبية ومن الذي قال إنها نسب أزلية لا تتغير؟ فهي نسب مختلف عليها أيضاً".

 

وأضاف: "أما بخصوص ما ينسجم مع الذوق العام في المجتمع وما لا ينسجم، فأنا أرى أن الفن منظومة جمالية وليس منظومة أخلاقية، والفاحش هو فقط ما ليس جميلاً، والجمال مفهوم نسبي ومختلف عليه أيضاً، وفي النهاية تبقى رؤية الفنان الخاصة هي أهم ما يميزه".