شهادات من ريف قامشلي عن معاناة الإيزيدين خلال تهجيرهم من شنكال

تربسبيه – عبدالحليم سليمان – نورث برس

 

كانت مدينة تربسبيه، /30/ كم شرق القامشلي، والتي تُعرف في سجلات الحكومة السورية بالقحطانية، محطة استضافة وتجهيز للاجئين الإيزيديين الفارين في العام 2014 من غزو تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة ومناطق جبل شنكال/سنجار في إقليم كردستان العراق قرب الحدود السورية.

 

وخلال هجمات عناصر التنظيم على شنكال في الثالث من آب/ أغسطس 2014، تمكّن مقاتلو وحدات حماية الشعب من فتح ممر آمن للاجئين الفارين عبر منطقة جبلية وعرة وجافة والوصول إلى الأراضي السورية لتتحرك مؤسسات الإدارة الذاتية الوليدة آنذاك لمساعدتهم، إلى جانب استنفار سكان المنطقة لاستقبال ونقل عشرات الآلاف من الإيزيديين الفارين من القتل بدوافع دينية وعرقية.

 

وخلَّفت المأساة الإيزيدية أرقاماً ضخمةً من الضحايا والمختطفات والمفقودين فضلاً عن تدمير عدد من المعابد الخاصة بهم في منطقة شنكال، وبحسب عضو البيت الإيزيدي في "إقليم الجزيرة"، محمود رشو، فإن تنظيم "الدولة الإسلامية" خطف أكثر من ستة آلاف إيزيدي من النساء والأطفال والرجال، وقتل الإيزيديين ودفنهم في أكثر من /80/ مقبرة جماعية ودمَّر أكثر من /70/ مزاراً دينياً.

 

وقال زياد رستم، وهو من أبناء بلدة تربسبيه وعضو البيت الإيزيدي فيها، إن لسانه يعجز عن التعبير عن هول تلك اللحظات وأنهم كانوا ضمن الجموع التي استنفرت لمساعدة وإغاثة الشنكاليين، "كل المكونات العرقية والدينية بمنطقتنا لم توفّر أي جهدٍ لدعم الإيزيديين وإظهار التعاطف مع مأساتهم".

 

وأضاف أنهم ساعدوا مئات العائلات وأمّنوا وصولهم إلى معبر سيمالكا للعبور إلى إقليم كردستان العراق في حين تم إيصال عائلات أخرى إلى مخيم "نوروز" في ريف ديريك، بالإضافة إلى تأمين السكن لأكثر من /125/ عائلة، تضم أكثر من ألف شخص، في القرى الإيزيدية بريف تربسبيه، ومن ثم تشكيل فريق "لتأمين المساعدات الإسعافية والإغاثية العاجلة للاجئين الفارين من الإبادة".

 

ولا ينسى رستم جهود سكان المنطقة إلى جانب المؤسسات الرسمية في تأمين تلك الاحتياجات، حيث قدّم العديد من المزارعين المحليين ما تنتج بساتينهم من خضار وفواكه بشكل يومي للشنكاليين المنكوبين إلى جانب الفعاليات الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى الجمعيات الخيرية الإيزيدية في الدول الأوربية التي قدمت المساعدات المالية لهم.

 

وكان البيت الإيزيدي الذي تأسس عام 2012، قد غدا صلة وصل بين الشنكاليين المفجوعين والتائهين في الداخل وأقاربهم في الخارج بهدف إيصالهم إلى أماكن آمنة.

 

لاحقاً، عمل البيت الإيزيدي على استعادة النساء المختطفات والمفقودين من الإيزيدين وإيصالهم إلى ذويهم، لاسيما بعد انتهاء المعارك التي خاضتها وحدات حماية الشعب والمرأة ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية، ضد تنظيم "داعش" الذي انكسرت شوكته عسكرياً في معركة الباغوز آخر معاقله في سوريا.

 

ويتذكر أطفال تربسبيه الذين كانوا شهوداً على نزوح الأطفال الإيزيديين وعائلاتهم أحداث تلك الأيام، إذ تتحدث آرين، وهي طفلة إيزيدية من البلدة، عن تقاسم ملابسها وألعابها مع اللاجئين الذين كانوا جائعين وعطشى ومرضى.

 

وقالت آرين، التي تتذكر أطفالاً حفاة بين الفارين الذين فقدوا عدداً من ذويهم، إنها عملت مع أهلها لتأمين الماء والغذاء ولوازم البيت لإيواء اللاجئين القادمين إليهم.

 

وفي الحي الشمالي من البلدة، تروي السيدة شاني سليمان (60 عاماً) ما سمعته من الشنكاليين، الذين شاركت زوجها و أبنائها في تقديم المساعدات لهم، عن معاناتهم أثناء هجرتهم القسرية عبر الطرق الحجرية والترابية القاحلة.

 

ولا تزال السيدة الستينية تتذكر "تشقق أقدام النسوة الإيزيديات والجروح التي سببتها الأحجار والأشواك التي كانت موزعة على طريق الفرار إلى الجانب السوري، من بينهن سيدات مسنات،  "ولم يكن بمقدورنا فعل شيء في لحظتها سوى البكاء على حالهم"، على حد تعبيرها.

 

كما تروي قصة امرأة شنكالية كبيرة في العمر اختطف تنظيم "داعش" بناتها الأربعة، "قالت لي إن ابنتها الكبرى طبيبة والأخرى صيدلانية والأخريات معلمات مدرسة، و"داعش" اختطفهن ولا أعرف ماذا حلَّ بهن".

 

 وأضافت "شاني" التي عمل زوجها أيضاً لقرابة سبعة أشهر في توزيع الطعام على العائلات الشنكالية التي استقرّت في قرى تربسبيه: "بقيت أبكي أياماً على هذه الأم ولن أنسى ما جرى لبناتها ما حييت".