لم تعد ذيول حرب التسع سنوات التي شنّها نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الشعب السوري بقابلة للتمويه أو التعتيم عليها كما تحاول وسائل إعلام دمشق أن تفعل من خلال حملات تروّج لعدوانية الغرب الأمريكي مقابل سلمية الأسد وحكومته وكل من والاه وتحالف معه، متجاهلة حجم التدمير والدم السوري الغالي الذي سُفك في حملة الأسد العسكرية الشعواء التي تقدّمتها الميليشيات الإيرانية الطائفية العابرة للحدود، وقد كانت الأداة العنفية الأشرس التي استقوى بها الأسد على هذا الشعب الجريح.
أما النتائج الكارثية لهذه الحملات على اقتصادات البلد، فحدّث ولا حرج! فقد أصابت طائرات السوخوي الروسية، وهيليكوبترات الأسد بحمولة براميلها وأسلحتها المحرّمة دولياً، البنية التحتية للمدن السورية المستهدفة.
لقد أدى التخريب المتعمد والممنهج لقوات الأسد وداعميها للمنشآت التي تقدّم الخدمات الحياتية الأساس من خطوط الكهرباء وشبكات مياه الشرب، ناهيك عن الحرائق المفتعلة التي كانت تقضي على المحاصيل التي هي جزء لا يتجزأ من المنتوج السوري، وكذا وقوع مصادر الطاقة والنفط في قبضة الجماعات الإرهابية، والميزانية العالية المترتبة على العمليات العسكرية التي كانت روسيا وإيران تدعمانها بالعتاد والعتيد لضمان استمرارها؛ كل تلك الظروف مجتمعة أدّت إلى خوار في مفاصل النظام وميزانيته الرسمية المعلنة ولم يعد قادراً على مواجهة كل تلك الأزمات الواقعة عليه، في حين كانت العوائد الاقتصادية للقطاعات الحيوية والمشاريع تذهب إلى جيوب عائلته ومناصريه بعيداً عن خزينة الدولة، بل وتتكدس في حسابات مصرفية خاصة أغلبها تتمتع بالسريّة البنكية لعملائها من أمثال رامي مخلوف ومن دار في دوائره من آل الأسد وأتباعهم.
جاء أخيراً قانون قيصر للعقوبات الاقتصادية ليصبّ الزيت على النار، فبينما العاصمتان طهران ودمشق تترنّحان تحت سطوة العقوبات الدولية المستمرة والمتعاظمة، فإذا بقيصر يسدّد الضربة ما قبل القاضية على قدرة النظامين في معالجة الشحّ المالي الذي ضرب قطاعات ومصادر الدخل القومي الأساس لهما، من نفط وغاز وموارد استراتيجية، وكذا وضع الحواجز في مواجهة أية محاولة للمباشرة في إعادة الإعمار أو استيراد مواد البناء اللازمة قبل أن يدخل النظام السوري بشكل جدي في عملية الانتقال السياسي ويذعن للقرار الأممي (رقم 2254) ويقبل تطبيق بنوده كافة. ونحن نعلم أن إيران وروسيا تعلقان الآمال على الاستثمار في إعادة الإعمار وجني ثمار دعمهما الأعمى للأسد.
لقد سُدّت المنافذ في وجه الأسد، ولم يعد حلفاؤه بقادرين على دعمه ولا سيما أن قانون قيصر يطال الدولتين روسيا وإيران في آن. فإيران المنهكة من تصفير صادراتها النفطية بضغط ومراقبة شديدة لعمليات التهريب التي أخذت تعتمد عليها لبيع النفط الخاضع للحظر الأمريكي، لم تعد بقادرة على تقديم أي شكل من أشكال الدعم لحكومة الأسد المتهالكة على نفسها. وطهران بحاجة أن تغطي حاجات الداخل أولاً خوفاً من انفجار الوضع المعاشي في البلاد والذي سيستدعي بالتالي ثورة خضراء جديدة مازالت بذورها حيّة في الأرض. ومرويّة بدماء شهدائها.
أما الحليف الروسي فبدأ يتذمّر من الديون المتراكمة على دمشق والتي لم تتمكن موسكو من استيفائها، وقد عزمت على تقليص الدعم لحكومة الأسد حتى يتم جدولة هذه الديون والبدء بتسديد فوري للدفعات المترتبة. ناهيك عن التوافقات مع القوى الدولية صاحبة النفوذ على الأرض السورية والتي نسجت معها موسكو خطوطاً من التفاهمات حول مستقبل الأسد ونظامه، وهي بدورها ستمارس الضغط المطلوب منها على طهران من أجل أن تقوم الأخيرة بسحب ميليشياتها وآلتها العسكرية من التنف في الجنوب ومحيط دمشق في الوسط، وفي كل بؤرة اتخذتها موقعاً لها لنشر الدمار والفتنة.
دخل قانون "قيصر" حيّز النفاذ في 17حزيران/ يونيو الجاري، وتداعى له جسد الاقتصادين السوري وملحقه في دوائر حزب الله اللبناني بالسهر والحمى حتى قبيل نفاذه.
وتكاد إجراءات التقشف الصارمة التي اتخذتها دمشق لمواجهة شحّ الموارد وغياب السلع الأساس في الغذاء والدواء من الأسواق واحتكارها من قبل طبقة من التجار الذين هم أصلاً شركاء النظام وأعوانه، أن تشعل ثورة جديدة في الشارع السوري الذي خرج في العام 2011 مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة الإنسانية وها هو اليوم يعود إلى الشارع مطالباً بالخبز وبإسقاط بشار الأسد.
وليست المظاهرات الشعبية التي انطلقت مؤخراً في السويداء سوى عيّنة عن انتفاضة شعبية جديدة لا تسقط النظام وحسب، بل وتحمل معها أدوات الإصلاح المجتمعي والسياسي إثرالدروس المستفادة من عشر سنوات عجاف من الحروب المتنقلة التي آن أن تضع أوزارها ليعود السوريون إلى ممارسة حياتهم على أرضهم، وبشروطها الإنسانية الطبيعية، بعد طول تهجير وامتهان حقوق وهدر أرواح.