قامت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 نيسان/أبريل للعام 2019، بإدراج الحرس الثوري الإيراني في لوائحها الحكومية المختصّة "منظمة إرهابية أجنبية"، وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها تصنيف قوة عسكرية تابعة لدولة بعينها على أنها منظمة إرهابية.
جاء في حيثيات هذا القرار أن "الحرس الثوري الإيراني يستمر في تقديم الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم المادي والتدريب ونقل التكنولوجيا والأسلحة التقليدية المتقدمة والإرشاد لمجموعة واسعة من المنظمات الإرهابية، بما في ذلك حزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وكتائب حزب الله في العراق، وسرايا الأشتر في البحرين، وغيرها من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق ولبنان ودول الخليج العربي. كما تواصل إيران السماح لعناصر تنظيم "القاعدة" بالإقامة على أراضيها، حيث تمكنوا من تحريك الأموال والمقاتلين إلى جنوب آسيا وسوريا".
كما قامت الإدارة الأمريكية، وابتداء من 2 أيار/مايو 2019، بإنهاء الاستثناء من العقوبات المترتّبة على التعامل التجاري مع إيران بما يطال كل دولة تقوم بشراء النفط الإيراني. ويهدف هذا القرار إلى دفع صادرات النفط الإيرانية لمستوى الصفر.
وليس تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لحزب الله كمجموعة "إرهابية"، وفرض العقوبات على المسؤولين في الحزب ومن يرتبط معهم، سوى جزءاً أساساً من استراتيجية أمريكية محكمة الأطراف تهدف إلى حرمان إيران من الموارد التي تستعملها في دفع رواتب عناصر حزب الله، ومدّها بالعتاد والسلاح، حتى تحكم سيطرتها على المفاصل السياسية في سوريا. فمن خلال تجفيف هذه الموارد وتصفير صادرات النفط الإيراني سيتم بشكل مباشر ليّ أذرع وكلاء إيران في سوريا وعلى رأسهم ميليشيا حزب الله، ما سيساعد على خروج تدريجي لإيران والعودة إلى المسار السياسي الذي رسمه قرار الأمم المتحدة (رقم 2254)، بعيداً عن مطامع طهران في سوريا، وفي المنطقة بأسرها.
ورغم أن إدارة الرئيس ترامب قد ورثت ملفاً سياسياً ثقيلاً من خَلفها الرئيس باراك أوباما، ولا سيما فيما يتعلق بتعامل الأخير مع الملف السوري الأكثر تعقيداً، وكذا تيسير وزير خارجيته، جون كيري، لاتفاق فيينا النووي لدول (5+1) بما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إلا أن الحضور الدولي لإيران انتعش مع اعتمادها سياسة "التطنيش" للإرادة الدولية في وقف برنامجها للتسلّح النووي.
رأس الدبلوماسية الحالي في إدراة ترامب وزير الخارجية، مايك بومبيو، يرى أن استشراء الميليشيات الإيرانية في سوريا لم يأت إلا بسبب غض الطرف الأمريكي عن هذا الأمر خلال عهد أوباما الفائت حين تفاقم هذا التوغّل إلى درجة كبيرة، وأن ما تريده واشنطن هو العمل مع موسكو من أجل إنهاء الصراع في سوريا ودفع الأطراف المعنية في المعارضة والنظام للدخول بجدّية إلى العملية السياسية وتحقيق الانتقال السياسي الحقيقي في سوريا وتأمين عودة النازحين واللاجئين، الذين بلغ عددهم ما يقارب /7/ ملايين سوري، شرط أن تكون عودتهم إرادية لا قسرية وآمنة وكريمة. فالولايات المتحدة لن تسمح بإرغام السوريين على العودة من مواقع اللجوء بالترهيب كما حدث عند خروجهم من بلدهم هاربين من آلة النظام العسكرية، ومن التطرف الإرهابي للمجموعات التكفيرية من "داعش" و"جبهة النصرة"، ومن سيطرة ميليشيات حزب الله على الوضع الميداني والقرار السياسي على الأرض.
في شهر تـشرين الأول/ أوكتوبر القادم ينتهي مفعول قرار حظر التسلّح الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، وإذا ما قررت الأمم المتحدة رفع هذا الحظر، فستكون بذلك قد قدّمت هدية ثمينة جداً لإيران من جهة، وصفعة إلى العالم بأسره من جهة أخرى لمكافأتها طهران على نشاطات خبيثة تهدّد استقرار المنطقة والعالم.
أما الولايات المتحدة، فتطالب بتمديد قرار الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، وتبني مطلبها هذا على أسباب استراتيجية ودبلوماسية وقانونية وأخلاقية.
فرفع الحصار- إن حدث – سيكون بمثابة استسلام حقيقي لسطوة برامج إيران التوسعية والاستيطانية في المنطقة، بل وجائزة بدمغة دولية لملالي طهران على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الذي يحظّر على إيران تمرير الأسلحة والميليشيات العابرة للحدود ودعم المنظمات المصنّفة دولياً مجموعات إرهابية بالعتيد والعتاد، بهدف تقويض الأمن والاستقرار وفرض ظروف هيمناوية على دول الجوار.
من المؤكد أن توقعات الرئيس السابق أوباما وشركائه في هندسة اتفاق فيينا النووي مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا، قد فشلت في استشراف ما سيكون عليه الأمر بعد توقيع الاتفاق. فقد سارعت إيران لاستغلال قرار مجلس الأمن (رقم 2231) الذي تمّ اتخاذه أعقاب توقيع اتفاق فيينا النووي، لتحقيق مآربها الخاصة. إلا أن انسحاب الرئيس ترامب بشكل أحادي من الصفقة كان كفيلاً بدق أجراس الإنذار في طهران!.
فصل المقال أن قراراً شجاعاً وذا مصداقية لا بدّ أن يخرج عن مجلس الأمن مجتمعاً لتمديد الحظر على مغامرات نظام الملالي العسكرية، ومنعه من الاستمرار في تنفيذ منهجه العدائي لكل ما تمثّله دول العالم الديمقراطي المتحضّر من قيم ومنجزات إنسانية تناقض ظلاميته واستهتاره بالمشتركات الدولية التي في مقدمتها صون الأمن والاستقرار العالميين وضمان حق الشعوب في الحرية والحياة المستقرّة والسعي نحو السعادة.