هل فعلاً ستتخلى موسكو عن بشار الأسد مقابل أن تحتفظ بغنائمها في سوريا برضى ومباركة أمريكية، وبشرط آخر وضعته واشنطن وهو أن تساعد روسيا في فك الارتباط بين النظام السوري والميليشيات الطائفية الإيرانية المتمترسة هناك، وبالتالي تسهّل على الولايات المتحدة مهمة قطع طريق الإمداد الاستراتيجي لإيران الذي يبدأ من طهران وينتهي في موانئ بيروت ممتداً عبر بغداد ودمشق؟.
وهل بإمكان التفاهمات العسكرية الروسية التركية في إدلب، وصمود وقف إطلاق النار المتّفق عليه بين الطرفين، أن يؤدي إلى تفكّك أطراف مثلث آستانا بحيث يتم استبعاد طهران تماماً من أية مداولات مستقبلية لتثبيت وقف إطلاق نار شامل في كل أنحاء البلاد بعد أن نجح فك الاشتباك الذي أنجزه الطرفان في آخر بؤرة للقتال شمال غرب سوريا بدون حضور إيران، ما اضطرها لسحب بعض من ميليشياتها المتواجدة في إدلب وريفها نتيجة التوافق الثنائي الطرف بين موسكو وأنقرة؟.
مما لا شك فيه أن الضغط المتعاظم الذي تمارسه واشنطن على نظام الملالي الطائفي في طهران من خلال العقوبات الاقتصادية والسياسية على أركانه ومفاصل حكمه، قد ساهم بشكل كبير في إرباك عمليات الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود على الأراضي السورية، وقلّص من مواردها، ما أرغمها على انسحابات متوالية من مواقع قتالية عديدة تواجدت فيها منذ سنوات على الأرض، وقد انعكس هذا الأمر في تراجع الأعمال العسكرية مع اقتراب الاستحقاقات السياسية السورية سواء النيابية أو الرئاسية.
ولن يغيب علينا أن المواقع العسكرية للميليشيات الإيرانية، ومخازن أسلحتها الثقيلة في سوريا، تتعرّض بشكل روتيني إلى ضربات مركّزة تشنّها مقاتلات إسرائيلية دون أن تعترضها المنظومة الدفاعية الجوية الروسية من صواريخ اس ـ 300، تلك التي جلبتها موسكو إلى سوريا بزعم تعزيز القوة الدفاعية للجيش السوري المقاتل تحت إمرة الأسد.
ومع الاقتراب من تنفيذ قانون العقوبات الأمريكي المسمى "قانون قيصر" الذي من المفترض أن يبدأ في شهر حزيران القادم، نجد روسيا تنسحب شيئاً فشيئاً لتفك الارتباط مع إيران المستهدفة بالعقوبات، وتترك الساحة لواشنطن متاحة لتطبيق عقوباتها على النظام، وعلى حليف أوحد بقي لديه من نظرائه الطائفيين من حكّام طهران.
أما التسريبات الإعلامية الروسية، عبر التصريحات والبرامج التي تظهر بشكل يومي تقريباً نقلاً عن وسائل إعلام روسية ودولية، وتتحدّث عن موقف روسي أصبح مستاء من تعنّت الأسد وامتناعه عن السير باتجاه الانتقال السياسي كما ينصحه بوتين باستمرار، فهي لم تأت مصادفة البتة؛ ويعتقد معظم المراقبين للشأن السوري أن هذه الرسائل الإعلامية تستهدف جهتين متضادين: الأولى نظام الأسد والضغط عليه لتقديم تنازلات والشروع بعملية الانتقال السياسي ضمن قرار (2254) الأممي وبأسرع وقت، والاتجاه الآخر للرسائل يستهدف صانعي القرار الأمريكي لإبراز الموقف الروسي الجديد في نيّته رفع الغطاء عن الأسد إن استمر في تمترسه خلف حليفه الإيراني.
لم يتأخر التجاوب الأمريكي مع الرسائل الإعلامية الروسية التي تخفي بالطبع موقفاً سياسياً جديداً لروسيا؛ فقد صرح المبعوث الأمريكي الخاص للملف السوري، السفير جيمس جيفري، خلال ندوة أقامها في واشنطن مؤخراً بأن "واشنطن على دراية كاملة بأن العلاقة الروسية – السورية ليست في أفضل حالاتها بسبب الرئيس بشار الأسد"، وأشار موضحاً إلى أن "الإدارة الأمريكية الحالية تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وتساعد موسكو بالشراكة مع المجتمع الدولي لتهيئة الانتقال السياسي في سوريا".
ومن الجدير بالذكر أن البادية السورية تشهد حراكاً استخباراتياً واسعاً يقوده التحالف الدولي إلى جانب القوى الكردية والعربية الفاعلة هناك من أجل تحديد دقيق لمواقع التواجد العسكري لميليشيات إيران في المنطقة. وتعوّل واشنطن على محاولة أخيرة وعدت بها موسكو تهدف إلى إقناع طهران بالانسحاب من البادية السورية؛ لكن في حال رفضت طهران الانسحاب الطوعي وفشلت المحاولة الروسية، فإن واشنطن تهيئ لحملة عسكرية ضخمة يشترك فيها التحالف مع المقاتلين السوريين على الأرض، ما سينهي الحلم الإيراني بفتح طريق الإمداد بين طهران وبيروت، ويعلن أفول هاجس "الهلال الشيعي" الذي حاولت إيران رسمه بدماء أهل بلاد الشام طوال عقود من تصديرها للعنف الطائفي العابر للحدود.