الإرهاب المنظّم وحفرة الموت

 

ما زالت آثار الجرائم التي ارتكبها إرهابيو تنظيم داعش تتكشّف للعالم كلما بدأت الحياة الطبيعية تعود بالتدريج إلى شمال شرقي سوريا، وذلك بعد أن تمكّن تحالف الولايات المتحدة مع القوات الكردية المقاتلة من تحرير الأرض التي كان التنظيم قد سيطرعليها لفترة وجيزة من زمن حروب السنوات التسع على سوريا.

 

فقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً خبراً مفاده أن حفرة بعمق ما يقارب /50/ متراً تمّ اكتشافها في ريف مدينة الرقة التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش بين العامين 2013 و2015، وقد تحوّلت الحفرة إلى مقبرة جماعية لضحايا التنظيم والمتعاونين معه من الجماعات المتطرفة التي سيطرت على المنطقة.

 

الحفرة تدعى "الهوتة"، وكانت تعرف على أنها موقع طبيعي جميل قبل أن يحوّلها مجرمو داعش إلى مكان للانتقام من المدنيين العزل ممن رفضوا وجود المتطرفين في المنطقة، وطريقة الحياة الجاهلية والمرعبة التي حاولوا فرضها حين احتلوا القرى والمدن، وقاموا بالتنكيل بأهلها، وسبي نسائها وتجنيد أطفالها.

 

حفرة الهوتة – وهي واحدة من /20/ مقبرة جماعية تمّ اكتشافها في مدينة الرقة وريفها في المواقع التي احتلها التنظيم – تعتبر دليلاً راسخاً على جرائم الحرب التي ارتُكبت على أيدي المتطرفين، والتي ستتم محاسبة كل من تورّط في تنفيذها سواء أكانت جهاتٍ أو أفراداً، سعياً لتحقيق العدالة الانتقالية التي هي أساس عودة السلم الأهلي إلى سوريا إثر الحروب المفزعة التي شهدتها.

 

فبعد أن رصدت صور الأقمار الصناعية جثثاً تطفو على سطح المياه في الحفرة، قامت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بإرسال طائرة (درون) إلى داخل الحفرة لالتقاط المزيد من الصور، ولمباشرة التحقيق في هويات جثث يبدو أنها ألقيت حديثاً في الحفرة، أي بعد زمن طويل من إنهاء ىسيطرة داعش على المنطقة.

 

وأفادت التحقيقات الأولية مع المواطنين في المنطقة أن تنظيم داعش كان يهدّد كل من يخالف أوامره بإلقائه في هذه الحفرة، ما يؤكّد أنها تحولت إلى مقبرة جماعية لضحايا التنظيم.

 

حالات الاختفاء القسري في أماكن الحروب وسيطرة الميليشيات والجماعات المسلّحة خارج القانون، أو تلك التي حدثت نتيجة لإرهاب الدولة المنهجي، تشغل اهتمام منظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية ولا سيما الأمم المتحدة. وتعتبر معرفة الحقيقة وراء الجرائم المرتكبة نتيجة التعذيب في المعتقلات، أو الإعدامات الميدانية بدون محاكمات، أو الاختفاء القسري للأشخاص، حقاً إنسانياً تنص عليه اتفاقات جنيف للعام 1949 وملحقاتها.

 

وفي سوريا التي تعرّض أهلها لأبشع صور الانتهاكات سواء من طرف نظام البعث المستبد والميليشيات الطائفية المتعاونة معه، أو من المجموعات الإرهابية التي معظمها تشكلت من متطرفين أجانب، لا بد من استرجاع حق ضحايا الانتهاكات من خلال مسار قضائي مستقل يرافق العملية السياسية. فالاحتكام إلى قضاء عادل وشفاف يقتصّ من مرتكبي الجرائم ويعيد بعضاً من الحقوق لأصحابها سيكون المخرج الوحيد الذي يحمي السوريين من الوقوع في فخ عمليات الانتقام، والانتقام المقابل، في حال لم تتحقق العدالة الإنسانية للضحايا وأهلهم.

 

لقد أنشأت الأمم المتحدة قاعدة بيانات عن الجرائم التي ارتكبت، كما تتابع لجنة محايدة ومستقلة أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2016 وضع آلية دولية مهمتها تسهيل التحقيق في الانتهاكات الفادحة للقانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ  العام 2011. وتملك اللجنة ما يزيد على مليون وثيقة، بينها تسجيلات مصورة وصور عبر الأقمار الصناعية وشهادات لضحايا نظام بشار الأسد الذي وجهت إليه أصابع الاتهام بممارسته إرهاب الدولة المنظم، بما يشمل أعمال تعذيب واغتصاب وإعدامات خارج إطار القانون.

 

وتعتبر محاكمة الضابطين السابقين في المخابرات السورية المحتجزين منذ شباط/ فبراير من العام 2019 في ألمانيا، الأولى في العالم بما يتعلق بالانتهاكات الناتجة عن إرهاب الدولة، وقد مَثلَ المتهمان بشخصهما في 20 نيسان/ أبريل 2020 أمام القضاء الألماني بمدينة كوبلنز.

 

أما العملية التي نفذتها قوات سوريا الديمقراطية الأسبوع الماضي بمساندة من طيران التحالف الدولي في ريف ديرالزور الشرقي، فقد نجحت في القبض على "الصندوق الأسود" لتنظيم داعش وخليفة أبو بكر البغدادي، عبدالله قارداش، ما يشكّل خطوة متقدمة لجمع المزيد من المعلومات ضمن ملف وثائق انتهاكات داعش، وتقديم كل من تبقّى حياً من أفراد التنظيم إلى يد العدالة.