لا أريد أن أصلي في القدس

نبيل الملحم

 

"طز ..طز بأمريكا"، شعار رافق العقيد القذافي أربعين سنة في الحكم، والرجل كان على اعتقاد لا يهتز بأن الأرض لا تدور، بل:

 

ـ إنها تدور حوله.

 

فأبقى بلاده "تحت الخيمة" ولم يذهب أحد للقول بأنه دخل النادي النووي، أو تجهّز للحرب السيبرانية، كي يفجّر القرن الواحد والعشرين في رأس أمريكا، فانتهت ليبيا إلى حرب الأزقة وعبد الكريم بلحاج بتنويعات عبد الكريم بلحاج، ولا أحد يدري إلى أين ستذهب ليبيا بعد أن تقاسمها المرتزقة.

 

سنوات طوال وصدّام حسين يهدّد بالمدفع العملاق، ثم كشفت الحرب أن مدفعه العملاق ليس أكثر من ماسورة ماء، فسقطت بغداد دون أن يقاوم سقوطها سوى صوت محمد سعيد الصحّاف وهو يهجو (العلوج)، وبالنتيجة لم يتبق من العراق شبر إلاّ وفيه دمار، أما عن تل أبيب فلم تتلق أي من صواريخ صدام الموعودة، فلا هو  أبقى على العراق، ولا هو دمّر إسرائيل.

 

واليوم، سوريا / لبنان، كلاهما أمام المجهول:

 

ـ مجهول الخبز، ومجهول السلاح، كما مجهول الحرب والدمار.

 

ولا صوت يعلو على صوت المعركة، سوى همسات الناس، لبنانيين وسوريين:

 

ـ ارفعوا أحذيتكم عن رقابنا.. نريد أن نتنفس.

 

أما عن حزب الله، فهو:

 

ـ خارج الدولة في السلاح، و"جوّات" الدولة في الحكومة..  صرّاف في سوق المال، ومهدي في سوق العقيدة.. وإذا ما جاء الحديث عن الجيش، فالجيش عند حزب الله  ليس إلاّ قوات فصل لشارع عن شارع، أما شارعه فهو له، يهتف له، وينساق له، وإذا ما لزم الأمر فالجاهزية كل الجاهزية ليرتدي الأسود ويرفع سلاحه في صيغة فككت الدولة ولم تجمع المجتمع، فكان أن غرقت الدولة بالفساد، بعد أن استحال تحقيق شرط الدولة، وما من عاقل يستطيع القول أن ثمة دولة يمكن إنجازها إذا ما كان ثمة دولة داخل الدولة، وكله من أجل:

 

ـ وعد الصلاة في القدس.

 

ووحده حزب الله سيصلي في القدس، بعد أن احتكر المقاومة في بلد أطلقت المقاومة قبل ولادته، فالطلقة الأولى بمواجهة إسرائيل إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، كانت حين تقدم الشاب خالد علوان إلى مقهى كان مليئاً بالجنود الإسرائيليين وأفرغ رصاصات مسدسه ما أدى إلى مقتل ضابط وجنديين على الفور، وبعده كانت سناء محيدلي، وقبله كانت جبهة المقاومة اللبنانية دون أن تتوقف عملياتها ضد الاحتلال وقد امتدت من صيدا إلى صور وصولاً إلى البقاع الغربي، وفرضت المقاومة الانسحاب على إسرائيل من منطقة الجبل حتى ضفاف نهر الأولي في بداية خريف 1983 ونيسان/ أبريل من العام 1985 وتحت ضرباتها انسحبت إسرائيل من صيدا وجوارها والزهراني وصور والنبطية ومن مئات القرى والبلدات في الجنوب شمالي الليطاني والبقاع الغربي لينحصر حضورها فيما عُرف لاحقاً باسم الشريط الحدودي.

 

كل ذلك دون أن يكون حزب الله هو "الوعد الصادق"، وقد انتقل بوعده من الطريق إلى القدس إلى كل الطرق التي تقطع الطريق على اللبنانيين دون أن تؤدي سوى إلى إفقار لبنان، وإخراج الدولة منه، وتحويله من "مطبعة العرب"، وبنك العرب، إلى هذا البلد المفقر، المنقطع عن العالم كل العالم، باستثناء الرعاية الإيرانية، وهي رعاية تعني تعميق الحفرة باللبنانيين، كما وضعهم على حافة الهاوية، ليكون مصير اللبنانيين كل اللبنانيين مرتبطًا باستخبارات حزب الله وخيارات حزب واحد، وليكون لبنان كل لبنان، مرعي من دولة إقليمية واحدة، هي إيران وهي دولة منهارة، وليس من منهار يحمل منهارًا، حتى ولو برعاية الله.

 

واليوم لبنان وقد أغرق بالفساد واحتمالات الانهيار لم يبق له سوى واحد من خيارين:

 

ـ إما لبنان أو حزب الله.

 

المؤسسات الدولية لن تمنح دولة هي (لادولة)، أو دولة رهينة لحزب، والقوى السياسية اللبنانية الأخرى كما جمهور اللبنانيين لن يعود بوسعهم التراجع عن (كلن يعني كلن)، وكلهم هنا يشمل حزب الله، والفضائح التي طاردت حزب الله لم يعد بالوسع تغطيتها بشعار الصلاة في القدس، فها هي مافيات المخدرات المتصلة بحزب الله تتنقل من الكاريبي إلى أوروبا، وبالنتيجة، سيكون لسلاح حزب الله الكلمة الفصل التي يذهب الكثيرون إلى الاعتقاد بأنها ستتجه إلى صدور اللبنانيين، ما جعل لبنان، كل لبنان، رهينة لحزب الله، والشعار:

 

ـ الصلاة في القدس.

 

ـ ماذا لو قال لبناني لا أريد الصلاة في القدس، أريد لبنان، ثم ذهب أبعد من ذلك وقال:

 

ـ أريد بيروت عاصمة للنشر والطباعة في العالم العربي، وأريدها ملجأ للمثقّفين والفنانين العرب، وأريدها معرضًا للكتاب في العالم العربي.

 

ـ أريد شهادة عليا من جامعة لبنانية تمنحني شرفًا مضاعفًا، كما كان حال الشهادات الممنوحة من جامعة القديس يوسف والجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اللبنانية.

 

ـ أريد لبنان الكازينو لا لبنان الحرائق والخنادق المشتعلة.

 

ـ أريد لبنان الأطباق الأكثر شهرة في العالم والمبتكرة في هذا البلد الصغير، حيث كان العالم يتحدث عن مطبخ لبناني، مثلما يتحدث عن مطبخ فرنسي وإيطالي.

 

ـ أريد لبنان الرحابنة وفيلمون هبي ووديع الصافي وملحم بركات.

 

ماذا لو جاء لبناني ليقول:

 

ـ أريد لبنان عروض الأزياء وجورجينا رزق؟

 

ـ أريد لبنان التي لن أهجرها لأن حزب الله سيدفعها إلى الحرب بوصفه أحد مستثمري الحرب.

 

سيكون عميلاً للجحيم.. نعم.

 

ـ النعيم كل النعيم تحت سلاح حزب الله.

 

ـ سيدي أنا لا أريد أن أصلّي في القدس، وأنت لا تستطيع ذلك إن شئت.