لا شأن لإسرائيل فيما يحدث

 

نبيل الملحم

 

الشيوعيون يستحلبون اللينينية، و"كل السلطة للسوفييت".

 

الناصريون يستحلبون عبد الناصر، وربما يتذكرون تلك الآمال المعقودة على "من الموسيكي لسوق الحميدية".

 

البعثيون يستحلبون حافظ الأسد، وبعضهم صدّام حسين، ولا ينسون بطبيعة الحال تلك الأفخاخ التي رسمها الأول للثاني ولا أفخاخ الثاني للأول.

 

أما الإسلاميون، فقد تعلّقوا ذات يوم بـ"حسن البنا"، ثم ألقوا بعباءاتهم فوق أكتاف آية الله الخميني.

 

وحين وصل الليبراليون إلى الساحات، قدّسوا كونداليزا رايس، ولم تكن رايس معشوقتهم وحدهم، فقد تاه فيها الراحل معمّر القذافي إلى حدود أن (قصقص) صورها من الصحف والمجلات، ودون شكّ بحث عن صور عارية للسمراء المتحدرة من أصول إفريقية وقد أمسكت الكابيتول بكلتا يديها (وربما قدميها أيضًا).

 

اللينينيون، انتهى بهم المطاف، أن تتحول دكتاتورية البروليتاريا وكل السلطة للسوفييت، إلى ديكتاتورية الأمين العام على الحزب، وديكتاتورية المكتب السياسي على جماهيره، ولولا قضاء الله وقدره لمارسوا سلطة الحزب على ما تبقى من الجماهير، وبالمعية، لابد من الحضور الخلاّق لابن الأمين العام، وزوجة الأمين العام، وكذا لصهر الأمين العام وقد انتهى منشقًا عن الحزب بعد أن شققه.

 

والبعثيون، وقد نادوا بالأمة العربية الواحدة، عجزوا عن فتح طريق دمشق ـ بغداد، وقد استأثرا بالسلطة على البلدين كلَيهما، فيما ذهبا بعيدًا في فتح الطرق كل الطريق للمفخخات المتنقلة ما بين عاصمة الأمويين وعاصمة العباسيين، وما من مفخخة حققت هدفها في الإجهاز على واحد من زعيمي البلدين، غير أنها لاقت حظًا طيبًا في الانفجار بعابري الطريق، أولئك الغافلين سوى عن الصمت، بوصف الصمت هو اللغة الوحيدة المتاحة لـ (رعايا) البلدين كلَيهما.

 

وحين نأتي إلى الناصريين، فكل ما تبقى منهم، مؤتمرٌ قومي عربي، يقوده اثنان، واحد على حافة قبره، والثاني تعتذر المقابر عن تقبله أو تقبيله، ولا بد أن يتذكر كل منهما مفاتن الرجل الأسمر وقد تطلع ليكون محمد علي باشا، فكان أن أطفأه أنور السادات.

 

يتبقّى الإسلاميون، ودون أدنى التباس، فهؤلاء كانوا الأقدر على الإمساك بالمنطقة برمتها، فلديهم (بيت مال المسلمين)، كما تحالفاتهم التي تمتد من أفغانستان حتى مرابع الربع الخالي، ولديهم من الأوراق والأسنان ما يكفي لعقد قرانهم مع (آيات الله)، وفي اللحظة ذاتها مع الولايات المتحدة باعتبارها حارس أساطيل الله، ومن يعود إلى تاريخ جماعة الإخوان لابد وأن يعثر على كمّ الوثائق الهائلة التي جمعت سيّد قطب بآية الله الخميني، حتى كدنا أن نعتقد بأنهما البرتقالة وسرتها، ولا ندري حقيقة ذاك الصراع السني ـ الشيعي، مادام اسماعيل هنية يتوضأ بأقدام علي خامنئي وكأنما خامنئي علي بن أبي طالب، أو حفيد الحسين.

 

تلك هي الخارطة، وحين جاء الربيع العربي، وهي تسمية اصطلاحية على كل حال، تنحى (العروبيون) جانبًا، فالوقائع كانت قد تجاوزت يعرب بن قحطان (ولا ندري إن كان حقًا أول من تكلم اللغة العربية)، وقد تجاوزتهم أقله لأن غبار المعارك قد استقدم الشيشاني ـ القرغيزي ـ الفارسي ـ التتري ـ الأفغاني، ومعهم السواطير، وللسواطير لغتها التي تتجاوز كل اللغات، وقد امتدت سواطيرهم على كلا الجبهتين.. من واقع الاشتغال لدى النظام، ومن واقع رفع السلاح في وجه النظام، ولم تكن هذه حال سوريا فحسب، فهذه ليبيا، وتلك اليمن، واقرؤوا خرائطهما، ودون ريب لن يتنسى لعبد الحكيم بلحاج وقد غدا (بزنس مان)، أن يرحل من بطن الأفغان، هذا إذا لم ينزلق من مؤخرة رجب طيب أردوغان، وكلاهما من ذرية حسن البنا، وورثة (الموت لأعداء الله).

 

بعد هذا، هل علينا أن  نتذكر الليبراليين الجدد، بأنهم وديعة أو محدلة للإخوان المسلمين، حتى كاد منظروها أن يرفعوا الأعلام السوداء وقد هتفوا بحياة جبهة النصرة، ودخلوا مناطقها (المحررة) فاتحين، وليس من اليسير أن ننسى تلك الصورة التي جمعتهم على بوابة عفرين، والبنادق بأيديهم في صورة تذكارية، تخلّد من لا يميز ما بين استخدام البندقية وبين الشوكة والسكين، وقد اعتادوها بعد أن اعتادوا الكافيار وأعلنوا الطلاق مع فلافل أبو شريف؟.

 

تلك هي الخارطة.. و:

 

ثمة من يقول أنها خارطة الوحل، وثمة من ينعتها بخارطة اللعبة الدولية، وثمة من يعرف باليقين، أن بلادًا أنجبت محمد الماغوط، حنا مينا، الأخوين أصفر ونجّار، لم تكن بالفقر الذي سيأخذها إلى متاهات الوحل، غير أن البلاد وقد أغلقت على الطغيان وشرّعت أبوابها لعابري الحدود، وعلى مدى خمسين عامًا، كان عليها أن تكون على هذا الحال.

 

ـ وأي حال؟

 

حال هو باختصار:

 

ـ نعرف كيف أشعلت النار في أبداننا.. نعم نعرف.

 

ـ ولا نعرف كيف السبيل إلى إطفاء النيران.

 

نعم لا نعرف.

 

كل ما نعرفه أننا نتنقل في برزخ الجنون.

 

جنون البنادق / الهجرة / موت الأمل والعراء من المكان.

 

تابعوا ما يقوله الإسرائيليون.

 

الإسرائيليون باتوا أشدّ حزنًا علينا بعد أن أسقطنا بأيدينا دون الاستعانة بإسرائيل.

 

لا شأن لإسرائيل فيما يحدث.. لا ترموا قمامتكم على إسرائيل.