قالها “فورد” .. أنتم “حيض”.

 

الثورات تنتكس، لم لا؟ وكذلك الأنظمة والدكاكين والأفراد، وفي الأنظمة المهزومة، كتلك التي وقعت للنازية ثمة من ينتحر، لأنه (هُزِم)، وها هي مذكرة انتحار هتلر معروضة للبيع لمقتني التحف، ومازال الألمان يتذكرون انتحار غوبلز عقل النازية ولسانها ولا ينسون انتحار هيرمان غورينغ مؤسس الجستابو وذراعه، فيما الثورات تقدّم لنا نماذج  من ثوار لا يكلون ولا يملّون حتى يصل بهم المطاف إلى ما يشبه الانتحار (أو النصر) وليس تشي غيفارا سوى واحد منهم.

 

ذاك حال الأنظمة المهزومة، وكذا حال الثورات المنتكسة.

 

نقول الثوار، ونعني بهم هنا تلك الأرواح التي لا تحسب حسابًا للمقصلة، لا أولئك البشر الذين يقيمون حفلات بكاء على الضحايا وفي أحضانهم النراجيل العامرة.

 

ـ هل نحن بحاجة لمقدمات تفسّر الفارق ما بين رجل الثورة، ورجال (البزنس)؟

 

مئات آلاف السوريين قدّموا أرواحهم ودمهم، أرواحهم فعلاً ودمهم فعلاً، لا قصائد عن دمهم  ولا رسوم كرتونية عن أرواحهم، وهؤلاء سكنتهم نشوة التطلع إلى :

 

ـ الحرية / العدالة الاجتماعية / اجتثاث الفساد واستبدال هراوات السجن بثمار الشجرة.

 

وهؤلاء لو يسألون اليوم، ربما طالهم الندم حتى (أكلوا أكواعهم ندمًا)، لا على ثورة كانت حقًا لهم، وستكون حقًا لهم، ولا بد أن تكون حقًا لهم مادام في البلاد جلاّد وفاسد وقاتل وطاغية، أما عن الندم، فلابد أن يُستحضر أقله فيما أنتجته ثورتهم من قيادات معارضات ليس بالوسع إضافة صفات عليها تتجاوز ما وصفهم بها روبيرت فورد، عقب اجتماع مع (أفضلهم) في تركيا:

 

ـ هؤلاء "حيض".

 

وليس ثمة وصف يمكن إضافته، فثورة السوريين كانت على الفساد:

 

ـ وليس ثمة فساد فاق فساد قيادات معارضاتهم، وها هي مولات استنبول المملوكة لهم تشهد، وها هي فضائحهم تشهد، وقد باتوا أساتذة فساد، ومن لحم الناس وعظمهم، فالثورة (مهنة)، هكذا بات حالهم، ومهنة أشدّ من رابحة ويا هول ما ربحوا وتكسبوا.

 

ـ وثورة السوريين كانت على الطغيان، ولو تسنّى للسوريين إحصاء سجون فصائلهم، لما اشتكت من نقص في أقبيتها، حتى كادت أقبية (الإمارة) ، أن تتجاوز في عنفها وفتكها  أقبية (الجمهورية).

 

ـ وثورة السوري على من يبيع البلد، وقد باعوها كما باعها، وهاهم يستمرئون بيعها لتتنقل البلاد من طاغية إلى طاغية، وأيّ طاغية؟

 

ذاك الذي من الصعب على سلفادور دالي تركيب شخصية على شاكلته وكان اسمه الرئيس رجب طيب أردوغان، وبات اسمه أسد السنّة وربما الباب العالي وقد تأبط حسن البنا فبات هو الدعوة وهو الداعية.

 

ـ استنكروا على النظام اقتلاع الغوطانيين من أرضهم ومشمشهم، واستطيبوا إحلال الغوطاني مكان العفريني، فباتت الحرب ما بين مشرّد ومشرّد، في مسرحية تتداخل فيها التراجيديا بالتراجيديا، فيما تلتقط قياداتهم الصور التذكارية في عفرين، لمسرحية لم تكن عشوائية وإن كان العيب يرسم ابتساماتهم، حتى ظهروا عراة بربطات عنق وكأنهم قد تسللوا من قبعة مهرج إن لم نقل من مؤخرته.

قيادات يحلو وصفها بأنها جاءت من عتمة القبيلة، ثم صعدت إلى مرابع لاس فيغاس:

 

ـ مزيد من الصور التذكارية بدءاً من كونداليزا رايس وصولاً إلى جيمس جيفري.. تلك هوايتهم.. مأثرتهم وما سيتركونه للأحفاد الناجين من المجزرة.
 

لم لايكون الأمر كذلك، وسقط متاع السلطة يتحوّل إلى قيادات معارضة؟ وسقط متاع الدنيا كذلك.

 

وهاهم اليوم يأمرون السوريين بـ :

 

ـ المزيد من الموت.

ـ المزيد من الرحيل والهجرة.

 

بل والمزيد من قطع الطرق بعد أن أغلقت كل الطريق في وجه السوري حتى لم يعد أمامه سوى طريق واحد.. طريق لا يقود سوى إلى المقبرة، ونعيد ما يمكن قوله:

 

ما من معارضة أُهينت / تبهدلت / افتُضحت، غرقت في الوحل كما المعارضة السورية بفصائلها ومؤسساتها وأشخاصها.. لو استخدم البصاق كبديل عن الكلام لاتخذت وجوهها شكل المستنقع الذي لا تنقصه الأشنيات ولا الضفادع.

 

هؤلاء تحوّلوا إلى قيادات، جل رموزهم من الإسلاميين، هو من لا يملك سوى لحيته، وأسنانه الصفراء، وقد تحوّل بأوامر من االله إلى ولي من أوليائه، فيما لم تكن قياداتهم من الليبراليين المحدثين سوى لعبة البهلوان في سيرك الذئب الأغبر.

 

وها هي سوتشي وجنيف وأستانا، فلينبئنا أيّ منهم ينطق باسم السوريين.. فلينبئنا أي منهم من ضرع أي بقرة يرضع، فحيث ذهبت البقرة فالعجل لها.

 

هي ذي نتيجة الارتهان للتركي / القطري والأمريكاني، وما تحتويه الطنجرة قد كشفته المغرفة.

 

وكل ما تبقى للسوري، تلك الحيرة القتّالة ما بعد فوضاهم الخلاّقة:

 

ـ أي فارق ما بين كهنة الثورة وكهنة الدولة؟

 

ثانية سنكرّر مع روبيرت فورد وقد أثار دهشة المعارضين التابعين للإخوان المسلمين الذين يتحدثون بعامية ويتعالى صراخهم قبل أن تقطعه شتيمة فورد بالإنكليزية " إنه حيض " بعد أن غادر القاعة غاضباً.

 

لأخذ العلم، كان روبيرت فورد يعرف كيف ينطقها بالعربي.

 

بل بالعربية الفصحى.