العدوان التركي والمال القطري

 

العلاقة بين قطر وتركيا باتت مثيرة وإشكالية، لا لأنها علاقة وثيقة بين دولتين تقوم على الصداقة والتعاون لصالح الشعبين التركي والقطري، وإنما لأنها باتت علاقة تثير الكثير من الإشكاليات بسبب توظيفها سياسياً وعسكرياً في قضايا إقليمية متفجرة هنا وهناك، إلى درجة أن قطر باتت تغرد خارج السرب العربي كلما كانت هناك قضية تثير أمن الدول العربية، فمن سوريا إلى ليبيا مروراً بالعراق وكردستان والصومال وتونس .. باتت السياسة القطرية وكأنها ملحقة بسياسة تركيا وأجنداتها واعتداءاتها العسكرية في هذه الدول.

 

عندما غزت تركيا عفرين في سوريا واحتلتها، أدانت الدول العربية هذا الغزو باستثناء قطر والصومال، وإذا كان مفهوماً موقف الصومال جاء بسبب الدعم التركي لها حيث الفقر وضعف الحال، فإن الموقف القطري بدا لأسباب أخرى، إذ أن قطر لم تكتفي بتأييد العدوان التركي ضد الكرد في سوريا، بل سارعت إلى تقديم الدعم المالي للجماعات المسلحة التي احتلت عفرين، بغية تثبيت وجودهم في المدينة على حساب أهلها الذين نزحوا عنها بسبب العدوان التركي. والموقف القطري المؤيد للاعتداءات التركية في ليبيا وكردستان العراق وسوريا.. وغيرها تكرر مراراً كلما دعت الدول العربية إلى اتخاذ موقف موحد في مواجهة المخاطر التركية، والسؤال هنا ما الذي يدفع قطر إلى تأييد ودعم الاعتداءات التركية على هذا النحو؟ ثمة من يرى أن هناك جملة من الأسباب الرئيسية تقف وراء ذلك، لعل أهمها:

 

1- أن تركيا وقطر تدعمان وتحتضان جماعات الإسلام السياسي ولاسيما الإخوان المسلمين في العالم العربي، ولهما هدف واحد من دعم هذه الجماعات وهو إيصالها إلى السلطة على اعتبار أن ذلك سيحقق مشروعهما الإقليمي، وقد تجلى هذا الأمر بشكل واضح منذ انطلاق ما تسمى بثورات الربيع العربي، حيث تحولت تركيا منذ ذلك الوقت إلى مركز للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومنها توجه قيادات هذه الجماعات نشاطاتها العسكرية والسياسية والإعلامية في دولها الأصلية، فيما تقوم قطر بتأمين الدعم المالي لنشاط هذه الجماعات، كما تدعمها إعلامياً بقوة من خلال وسائل إعلامها المختلفة.

 

2- إن قطر وعلى خلفية الأزمة التي نشبت مع الرباعي العربي عام 2017، ارتمت في الحضن التركي، وقد وجد أردوغان في التوجه القطري هذا، فرصة ذهبية لزيادة نفوذه في منطقة الخليج العربي، إذ بنى قاعدة عسكرية ضخمة في قطر أطلق عليها قاعدة طارق بن زياد، فيها قرابة نحو خمسة آلاف جندي تركي، وبات هؤلاء يمارسون نفوذاً حقيقياً داخل المؤسسات القطرية السياسية والأمنية، كما اعتمدت قطر بشكل كبير على تأمين احتياجاتها الأساسية ولاسيما الغذاء من تركيا منذ نشوب هذه الأزمة. 

 

3- في الوقت الذي تحس قطر بأهمية الدعم التركي لها في أزمتها مع الرباعي العربي فإنها تخشى بشدة من الأنباء التي تتحدث عن احتمال إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية قاعدتها العسكرية في العديد، كما صرح بذلك رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، ولعل هذا ما يدفع بقطر إلى المزيد من الارتماء في الحضن التركي حيث يجري الحديث عن احتمال توسيع القاعدة العسكرية التركية لإرسال المزيد من الأسلحة والجنود أو حتى بناء قاعدة عسكرية ثانية لهذه الغاية.

 

4-  إن قطر باتت تشكل مصدراً مالياً حيوياً لأردوغان، سواء لإنقاذ بلاده من الأزمة المالية وتداعياتها في ظل انهيار قيمة العملة التركية أمام الدولار أو لتمويل حروبه في الخارج، ولعل مسارعة قطر إلى دعم تركيا بـ/15/ مليار دولار تؤكد هذه الحقيقة، بل أكثر من ذلك باتت قطر معنية بالوضع الاقتصادي التركي الداخلي لا لأن البلدين وقَّعا مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والعسكرية، بل لأن قطر دخلت كشريك في الصناعات العسكرية التركية ولاسيما معمل تصنيع الدبابات التركية في سقاريا، وبلوغ الاستثمارات القطرية في تركيا أكثر من /22/ مليار دولار العام الماضي.  

 

5– في الواقع، من الواضح أن العلاقة التركية – القطرية باتت تأخذ شكل تقاسم الأدوار في المناطق التي تشهد نزاعات، فما لا تستطيع قطر القيام به عسكرياً بسبب محدودية حجمها وإمكاناتها البشرية والعسكرية تقوم به تركيا، فيما الأخيرة لا تستطيع القيام بدورها العسكري من دون التمويل القطري، فتركيا لديها اليوم قرابة /18/ ألف جندي في سوريا، وأرسلت آلاف أخرى إلى جانب قرابة /13/ آلاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا، كما أرسلت عشرات آلاف الجنود إلى كردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، والسؤال من أين تمول تركيا كل هذه الحروب في ظل أزمتها المالية المتفاقمة؟ سؤال يوجه الأنظار بشكل مباشر إلى قطر، خاصة وأن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو اعترف في وقت سابق بالدعم القطري لعملية احتلال عفرين.

 

في الواقع، بعيداً عن البعد الإيديولوجي في علاقة قطر وتركيا إلا أن هذه العلاقة أفرزت خطراً تركياً كبيراً على المنطقة بما في ذلك على قطر نفسها، إذ ثمة أوساط قطرية بدأت تتحدث عن مخاوف حقيقية من تزايد وتأثير النفوذ التركي داخل السلطة الحاكمة في قطر، فضلاً عن أن الدعم القطري مكَّن تركيا من شق الصف العربي أكثر، والأهم أنه شجع ويشجع تركيا على ممارسة المزيد من الاعتداءات على دول المنطقة، وكان سبباً أساسياً في اطلاق أردوغان العنان لاحلامه العثمانية، وما زيارة أردوغان إلى قطر قبل يومين والتي كانت الأولى له منذ تفشي وباء كورونا إلا تعبيراً عن مدى الاعتماد التركي المالي على قطر في حروبها هنا وهناك، حيث كان لافتاً الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى ليبيا فور زيارة أردوغان إلى قطر، وهو ما يؤكد حقيقة وحدة الحروب بين الطرفين وتوزيع الأدوار بينهما.