التصعيد التركي ضد الخارج واستحقاقاته الداخلية

 

على وقع أزماته المتفاقمة، ينتهج رجب طيب أردوغان سياسة تصعيدية ضد الخارج، وأخرى أكثر تصعيداً في الداخل ضد كل من يناهض سياسته أو يمكن أن يشكل تهديداً لنظامه، فعلى وقع هذا التصعيد اتخذت السلطات التركية مؤخراً سلسلة خطوات استفزازية من شأنها الدفع نحو الصدام مع العديد من الدول والقوى المؤثرة في المناطق المحيطة بالجيوسياسة التركية، ولعل من أهم هذه الخطوات:

 

1- نشر مجلس الأمن القومي التركي للمرة الأولى خريطة للأطماع التركية في المتوسط، بهدف وضع اليد على مصادر الطاقة فيها، دون أي اعتبار أو اتفاق مع الأطراف الدولية الأخرى المعنية بحقوق الطاقة في المتوسط من غاز ونفط. 

 

2- تصعيد النزاع مع اليونان في بحري إيجه والمتوسط، ووضع اليد على جزر صغيرة متنازع عليها، فضلاً عن الاستمرار في التضييق على اليونان وعموم أوروبا باللاجئين. 

 

3- زيادة دعم حكومة السراج في ليبيا ورفدها بالأسلحة والمرتزقة دون أي اعتبار لاتفاق برلين وقرار مجلس الأمن الدولي، القاضيان بوقف توريد الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، وفي الوقت نفسه مواجهة عملية إيريني الأوروبية التي أطلقت لمراقبة ومنع تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى ليبيا، وهو ما مكن السراج من السيطرة على المزيد من الأراضي التي استعادها الجيش الوطني الليبي بزعامة اللواء خليفة حفتر قبل فترة.

 

4 – الاستمرار في التعامل المخالف لبروتوكولات الدبلوماسية في العلاقة مع تونس، وذلك من خلال العلاقة الخاصة مع راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي زعيم حركة النهضة ( الإخوان المسلمين ) بدلا من الرئيس قيس سعيد، وهو ما تسبب بأزمة سياسية في داخل تونس وتعريضها لمخاطر الانفجار الداخلي.

 

5 – إرسال المزيد من الأسلحة والقوات العسكرية التركية إلى إدلب في شمال سوريا، رغم اتفاق الهدنة الذي وقعه الجانبان التركي والروسي، وهو ما يطرح السؤال عن أسباب هذا التحشيد التركي المتوصل، وهل تحضر تركيا لعملية عسكرية جديدة في هذه المنطقة؟. 

 

6- استمرار التهديد التركي للكرد ولاسيما لقوات سوريا الديمقراطية بعملية عسكرية جديدة في شرق الفرات رغم الاتفاقات الموقعة بين أنقرة – واشنطن وأنقرة – موسكو بهذا الخصوص، وسط استمرار القوات التركية والمجموعات المسلحة التابعة لها في خرق هذه الاتفاقيات والاعتداء على مناطق في شرق الفرات، فضلاً عن الاعتداء على المدنيين وأرزاقهم ولاسيما حرق المحاصيل الزارعية في ذروة موسم الحصاد.

 

7- مواصلة العدوان على مناطق واسعة في كردستان العراق وشمال العراق، من شنكال إلى قنديل، بحجة محاربة الإرهاب دون أي اعتبار لسيادة العراق وعلاقات الجوار وحياة المدنيين وممتلكاتهم.

 

بموازاة التصعيد في الخارج، صعدت حكومة حزب العدالة والتنمية من نهجها الإقصائي في الداخل، وقد تجلى هذا النهج في:    

 

1- إقالة نواب جدد من المعارضة في البرلمان، حيث كانت آخر هذه الحملات ضد كل من المناضلة ليلى كوفن وموسى فارس أوغلاري من حزب الشعوب الديمقراطية وانيس بربر أوغلو من حزب الشعب الجمهوري، ومن ثم زج كل من كوفن وأوغلو في السجن. 

 

2- استمرار حملة إقالة وعزل رؤساء البلديات المنتخبين من حزب الشعوب الديمقراطية، وتعيين موالين لأردوغان بدلاً منهم في إطار سياسة الوصي، حيث تم حتى الآن عزل رؤساء /45/ بلدية من أصل /65/ بلدية فاز بها الحزب في الانتخابات البلدية الأخيرة.

 

3- ممارسة المزيد من الضغوط ضد رؤساء البلديات الكبرى التي فاز بها  حزب الشعب الجمهوري ولاسيما رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، من خلال نزع الصلاحيات عنهم، وحجب الأموال عن هذه البلديات، وفتح دعاوى ضدهم، حيث تم فتح /27/ تحقيق قضائي حتى الآن ضد إمام أوغلو، فضلاً عن حرمان البلديات من المساهمة في مكافحة فيروس كورونا وحصر الأمور بسلطة حكومة حزب العدالة والتنمية لأسباب سياسية. 

 

4- إعداد قانون جديد في البرلمان وفق مقترح قدمه حزب العدالة والتنمية وشريكه حزب الحركة القومي المتطرف بزعامة دولت باهجلي، بهدف قطع الطريق أمام حزب المستقبل بزعامة أحمد داود اوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان من خوض الانتخابات المقبلة، ومنع تشكيل تحالف قوي بين أحزاب المعارضة في مواجهة أردوغان إذا ما جرت انتخابات مبكرة أو حتى في الانتخابات المقررة عام 2023.

 

5 – تصعيد حملة الاعتقالات في مختلف مؤسسات الدولة وأوساط المجتمع، بحجة مكافحة الإرهاب وملاحقة أنصار الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية المزعومة الفاشلة في صيف عام 2016، وقد طالت الحملة أوساطاً أكاديمية وسياسية وإعلامية وحقوقية … دون استثناء، وقد وضعت هذه الاعتقالات تركيا في صدارة قائمة الدول المنتهكة للحريات والحقوق. 

 

في الواقع، التصعيد التركي ضد الخارج وفي الداخل، لم يحل أزمات أردوغان المتفاقمة، فالاقتصاد التركي يعاني المزيد من التعثر، والليرة التركية تنهار أمام الدولار، وحزبه يشهد المزيد من التفكك والانهيار، وشعبيته تتراجع، وصورة تركيا في الخارج باتت صورة الاستبداد والاستعمار، ومشكلاته مع مختلف دول العالم في تأزم مستمر… وأمام كل هذا لا يجد أردوغان سوى الاستمرار في التصعيد على كل المستويات، بما في ذلك إمكانية العودة إلى حكم الطوارئ، وهو ما يطرح السؤال عن استحقاق هذه السياسة على بنية نظام أردوغان، وهل سيقوم بتغيرات في جسم حكومته وحزبه لمواكبة سياسة التصعيد هذه؟، ثمة من يتحدث عن قائمة أعدها أردوغان بهذا الخصوص، على أن يحل رئيس الاستخبارات حقي فيدان مكان مولود تشاويش أوغلو في وزارة الخارجية كما تقول التسريبات، في مؤشر إلى المزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة، وهو ما يفرض على المنطقة والعالم التنبه للسياسة التركية هذه ومخاطرها ليس على أمن المنطقة وشعوبها فحسب، بل على مجمل العالم في ظل طموحات أردوغان الجامحة ومشروعه العثماني.