المصالحة الكردية – الكردية وسؤال المصير

تابع الكرد السوريون بشغف واهتمام الاجتماعات التي عقدت بين الأحزاب الكردية المنضوية في المجلس الوطني الكردي المنضوي في الائتلاف السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي المنضوي في حركة المجتمع الديمقراطي برعاية أمريكية ودعم وتشجيع من حكومة إقليم كردستان العراق، وموافقة من حزب العمال الكردستاني.

توقع كثيرون أن يعقد المجتعمون مؤتمراً صحفياً في ختام اجتماعاتهم، يعلنون فيه عن طي صفحة الانقسام الكردي، وتشكيل مرجعية كردية مشتركة لإدارة المرحلة، وتوحيد المطالب والخطاب في مواجهة التحديات، وخوض معارك السياسة والميدان معاً. لطالما شكل الانقسام الكردي مرضاً قاتلاً في الجسد الكردي، وشكل مدخلاً لأعداء الكرد في ضرب تطلعاتهم والقضاء على آمالهم التي ضحوا من أجلها كثيراً، وما زالوا يقدمون مئات الشهداء من أجلها، ولعل ما دفع هؤلاء إلى مثل هذا الاعتقاد، هو قناعتهم بأن الراعي الأمريكي بما يملك من قوة مؤثرة سيدفع إن لم نقل سيجبر الأطراف الكردية على المصالحة استعداداً لمرحلة تسوية الأزمة السورية في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتعلقة بهذه الأزمة.

انتظر الجميع هذه اللحظة، ولكن شيئاً من هذا لم يحصل، ولعل مسارعة بعض وسائل الإعلام الكردية إلى نشر خبر حصول اتفاق بين الطرفين زاد من البلبلة والتعقيد، ولاسيما أن الأخبار التي بثت حول موافقة المجلس الوطني الكردي على الانسحاب من الائتلاف السوري، دفعت ببعض أعضاء هذا المجلس وبسرعة البرق إلى نفي صحة ذلك وإطلاق تصريحات أثرت على سير المباحثات، لاسيما أن تركيا العدو التاريخي للكرد عرفت كيف تستغل الحادثة إعلامياً، عندما سربت خبر نية ضم رابطة المستقلين الكرد إلى الائتلاف السوري بدلاً من المجلس الوطني، وهو ما وضع المجلس في امتحان مع نفسه، فيما بدا حزب الاتحاد الديمقراطي يريد مشاركة باقي الأحزاب المنضوية في حركة المجتمع الديمقراطي في المباحثات دون أن يسأل أحد نفسه لماذا لم تتم هذه المشاركة منذ البداية؟ وكذلك مشاركة باقي الأحزاب الكردية الموجودة خارج المجلس والحركة.  أمام هذا المشهد الضبابي، انطلقت الأسئلة في كل الاتجاهات، لعل أهمها: لماذا لم يتم منذ البداية تشكيل لجنة مشتركة تقدم ملخصاً يومياً لوسائل الإعلام عن سير المفاوضات كي يكون الشارع الكردي في صورة ما يحصل؟ لماذا لم يتم الإعلان عن الأجندة والبنود التي تم بحثها داخل قاعة الاجتماعات؟ لماذا لم يتم الإعلان عن النقاط التي أحرزت فيه توافقاً وتقدماً والقضايا الخلافية التي ظلت عالقة؟ هذه الأسئلة وغيرها لا تزال عالقة في الأذهان وتشغل عقل المواطن الكردي دون إجابة وافية.  

 

ثمة من يرى أن ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء إخفاق الأطراف الكردية في التوصل إلى اتفاق حتى الآن، وهي: 

1- الصراع على المحاصصة الحزبية في الحكم والإدارة والمداخيل، فالمجلس الوطني يريد المناصفة على قاعدة فيفتي – فيفتي في كل شيء وهو ما لا يستقيم مع رؤية حركة المجتمع الديمقراطي التي يعود إليها الفضل في تشكيل المؤسسات القائمة في المناطق الكردية وحمايتها وإدارتها طوال السنوات الماضية.

 

2- دور المرجعيات الكردستانية (أربيل وقنديل) في التأثير على الأطراف الكردية السورية، فالثابت أن المرجعيتان تنطلقان في تنافسهما على الساحة الكردية السورية انطلاقاً من مصالحهما وحساباتهما الخاصة التي تتعلق بالزعامة وليس من الحرص على وحدة كرد سوريا وضرورة امتلاكهم خياراتهم المستقلة في سياستهم وعلاقاتهم مع باقي الأطراف الكردستانية، إذ لم يبذل الطرفان (اربيل وقنديل) الجهود الكافية لدفع الأحزاب الكردية إلى التوافق والوحدة، وهذا لا يقلل من مسؤولية الأحزاب الكردية السورية نفسها، لعجزها عن الانتصار للحالة القومية والوطنية الكردية في سوريا بدلاً من النظرة الحزبية الضيقة والتبعية للمرجعية الخارجية.

3- الدور التركي الهادف إلى إفشال أي جهد كردي يصبو إلى الوحدة ويكون فيه لحزب الاتحاد الديمقراطي مكانة ودور، ولعل من أهم أوراق تركيا في هذا المجال إشهار عضوية المجلس الوطني في الائتلاف السوري، وجعله سلاحاً لمنع دفعه إلى اتخاذ قرار مستقل يتناسب والمصلحة القومية الكردية السورية.

في المقابل، ثمة ثلاثة عوامل تضغط باتجاه تحقيق المصالحة وجعلها قيمة وطنية وأخلاقية كبرى، وهي: 

1- المبادرة التي طرحها قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، إذ بدت هذه المبادرة فوق حزبية وتحاكي حالة وطنية جامعة، بل إن دور الجنرال عبدي بات بمثابة صمام أمان لقيادة المرحلة المقبلة وتحقيق ما هو منشود. 

2- الدور الأمريكي الضاغط والذي يهدف إلى تشكيل مرجعية سياسية موحدة تستطيع إدارة تحديات المرحلة، والعلاقة مع تركيا والنظام، وتنظم العلاقة بين المكونات السياسية والاجتماعية في منطقة شرق الفرات، وتكون جاهزة لتسوية الأزمة السورية سياسياً. 

3- الرأي العام الكردي الضاغط، إذ أن الشارع الكردي ملَّ من الخلافات الحزبية الكردية – الكردية، وبات يطالب بتحقيق مرجعية كردية مشتركة بمستوى التحديات والآمال، وحسبه لا يعتقد بوجود أي مبرر حقيقي يمنع تحقيق ذلك، بل غنه يرى أن مصداقية هذه الأحزاب مرهونة بتحقيق ذلك وإلا فإنها ستفقد مصداقيتها تدريجياً وتتآكل على وقع التطورات والتحديات الكثيرة وفي المقدمة الاحتلال التركي لعفرين ورأس العين وتل أبيض.

أمام هذا الواقع، لا بد من القول إنه مهما كانت الخلافات الكردية – الكردية فإنه لا بديل عن وحدة الصفوف وتشكيل مرجعية موحدة لأن الانقسام الحاصل كفيل بنسف كل الإنجازات التي تحققت، كما أن الأجندة الإقليمية كفيلة بضرب التطلعات القومية الكردية كلما تحققت خطوة، لطالما أن الاتفاقيات الإقليمية والدولية تتم على حسابهم، إذ أن قاعدة المصالح الدولية والإقليمية مع تركيا لا تزال سارية وكبيرة، وتركيا ستعمل بكل جهد ممكن لتحقيق أجندتها ضد الكرد وأينما كانوا، وأمام هذا الواقع فإن كل مبررات الأحزاب الكردية بعدم المضي في الوصول إلى اتفاق تبدو واهية، وتتوقف عند المصالح الحزبية وليس القومية العليا، وهنا ينبغي القول إن تحقيق الأهداف المنشودة لا بد أن يكون من خلال قرارات جرئية وشجاعة، وتوفر إرادة حقيقية، ورغبة صادقة، فبقاء المجلس في عضوية الائتلاف الذي تحدد تركيا سياساته وأجندته لا يستقيم والمصالحة القومية الكردية، كما أن تفرد طرف بالإدارة والسياسات حتى لو كان هذا الطرف هو الذي قدم التضحيات خلال الفترة الماضية لا يستقيم والمصالح الكردية، والعملية السياسية، والتطلع إلى تشكيل نموذج قادر أن يقدم أجوبة الديمقراطية والسياسة والنمو والتنمية والخيارات السياسية المناسبة.

في الواقع، من الواضح أن الامتحان الأهم للكرد هو السياسة عبر ممارستها، فإذا كان الميدان هو معركة الحفاظ على الوجود فإن معركة  السياسة هي معركة الهوية والتأسيس والخيارات، ومن دون ذلك، ستبقى الحزبية السياسية مهددة للوجود وليست طريقاً للمستقبل.
 

إنه الامتحان الذي ينبغي على الأحزاب الكردية أن تثبت فيه جدارتها قبل أن تلفظها التطورات والأجندة الإقليمية التي أثبتت تجارب التاريخ أنها كانت دوماً على الضد من مصلحة الكرد، بفعل الانقسام والمصالح الدولية وعوامل القوة التي تحدد معركة المصير، وسؤال المصير نفسه على نحو: إلى أين أنتم ماضون دون توافق واتفاق ومرجعية ووحدة؟.