العملية التركية في إدلب.. حدودها واحتمالاتها

 

خورشيد دلي

 

لم تكن العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في مدينة النيرب بمحافظة إدلب السورية إلا تعبيرا عن اختبار بالنار في معركة مصيرية للسياسة التركية في سوريا. وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هذه العملية ستكون محدودة ولأهداف سياسية فقط أم أنها ستكون عملية متدحرجة مفتوحة على كل الاحتمالات؟.

بداية، لا بد من القول إن هذه العملية جاءت تعبيراً عن إحساس تركيا بخسارة كبيرة في إدلب بعد التقدم الكبير الذي أحرزه النظام خلال الأسابيع الماضية بدعم كبير من الحليفين الروسي والإيراني، وكذلك تعبيراً عن وصول التفاهمات الروسية – التركية في أستانة وسوتشي إلى طريق مسدود، ورداً على الطروحات الروسية الجديدة التي تتخطى اتفاقيات أستانا وسوتشي في ظل السعي إلى تفاهمات جديدة لترتيب الوضع الأمني على جانبي الحدود، وهو ما تجسد عمليا في فشل المفاوضات التركية – الروسية في موسكو.

 

ما الذي تريده تركيا من عمليتها العسكرية في النيرب؟

 

ثمة من يرى أن تركيا تريد تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، أولها، وقف تقدم الجيش السوري حيث وضع نصب عينيه الوصول إلى معبر باب الهوى الاستراتيجي ليكون أول معبر يسيطر عليه على الحدود مع تركيا.

 

وثانيها: إمكانية استعادة بعض المناطق الحيوية ولاسيما سراقب التي سيطر عليها الجيش السوري مؤخرا بغية الاحتفاظ ببعض الامتيازات المتعلقة بالطرق الدولية التي تربط بين حلب وكل من دمشق وحماة واللاذقية.

وثالثها، إبقاء منطقة ذات عمق حيوي تحت سيطرتها، للحفاظ على دورها ونفوذها في الأزمة السورية في المرحلة المقبلة.

هذه الأهداف الأساسية رغم أنها تبدو متعلقة بتطورات الأزمة السورية إلا أنها في العمق تتعلق بمعادلات الداخل التركي وحسابات أردوغان الداخلية ولاسيما مع ازدياد حدة انتقادات المعارضة التركية لسياسة أردوغان في سوريا وتحملية مسؤولية الأعباء التي تتحملها تركيا بسبب هذه السياسة، وكانت أخر هذه الانتقادات من الرئيس السابق عبدالله غول رفيق الدرب السابق لأردوغان عندما حمله مسؤولية ذلك، داعياً إلى سياسية تركية جديدة تجاه الأزمة السورية.       

                             

في فرضيات أبعاد العملية التركية، ثمة ترجيح بأن هذه العملية ستكون محدودة، وأن هدف أردوغان الأساسي منها، هو التوصل إلى اتفاق جديد مع بوتين، يضمن لتركيا الأهداف الثلاثة المذكورة، وعليه يمكن فهم الإصرار التركي على عقد مثل لقاء قمة بين أردوغان – وبوتين قبل القمة الثلاثية بين الدول الضامنة، والمقرر عقدها في طهران الشهر المقبل.

 

لكن رغم ترجيح هذه الفرضية، فإن وصول الأمور إلى هذه النقطة الحرجة يشير بقوة إلى هشاشة التفاهمات الروسية – التركية، إذ أن أردوغان يحس بأنه وقع في فخ اتفاقات بوتين في سوتشي وأستانا وأن الأخير وضعه أمام فوهة مدافع الجيش السوري، بعد أن اعتقد أن الاتفاقات المذكورة ستكون مدخلا للحل السياسي، وليست مرحلية كما كان يخطط بوتين.

 

أردوغان الذي يحس بصعوبة موقفه بين القبول بخسارة استراتيجية أمام تقدم الجيش السوري في ريفي إدلب وحلب أو الذهاب إلى مواجهة معه قد تؤدي إلى مواجهة مع الجانب الروسي، استنفر أوراقه من خلال محاولة جلب دعم الحلف الأطلسي وواشنطن له في هذه المعركة، وهو مسار من شأنه خلق حالة من الاشتباك السياسي والدبلوماسي بين الأطراف المعنية، ولاسيما في ظل خطاب الأطلسي الداعم لأردوغان، لأسباب تتعلق أساسا بالصراع مع روسيا، ومحاولة وضع حد للتقارب التركي – الروسي في إطار قناعة الأطلسي بأهمية الحفاظ على دور تركيا في هذا الحلف، وليس من منطلق مشاركة تركيا في عمليتها العسكرية، وربما واشنطن نفسها انتظرت طويلا فرصة توتر العلاقة التركية – الروسية للتقرب من تركيا لإبعادها عن موسكو، ولعل هذا التطور دفع بموسكو إلى المزيد من التمعن في خياراتها مع التصعيد التركي في إدلب، وإبداء الحرص الشديد على عدم الصدام معها، تطلعا إلى تفاهمات جديدة مقبولة.

 

وهو ما يطرح التحدي أمام الروسي في كيفية التوفيق بين دعمه الثابت للنظام وتأكيده على استعادة الأخير كافة الأراضي السورية الواقعة خارج سيطرته وبين تحقيق المطالب التركية على شكل الإقرار بإقامة "منطقة آمنة" واقعة تحت نفوذ أنقرة وسياستها. وبما يؤدي كل ذلك إلى ازدياد الشرخ بين الروسي والإيراني في سوريا.

 

مع أن العملية التركية تبدو محدودة في ظل المعادلات السابقة إلا أنه ينبغي عدم استبعاد تحولها إلى مفتوحة على احتمالات كثيرة، ولاسيما إذا واصل النظام تقدمه، وربما يلجأ إلى استهدف الداخل التركي لخلط الأوراق، ووضع موسكو في موقف الدفاع المباشر عنه في مواجهة التركي، وهو ما قد يطور موقف الأطلسي الداعم لتركيا في هذه المعركة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر الكثيرة والاحتمالات المفتوحة.

 

وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل مازال هناك إمكانية لتفاهم روسي – تركي جديد أم أن تناقض الاستراتيجيات بات يرجح خيار الصدام بينهما ؟ سؤال، الإجابة عنه لا تتوقف على رؤية مسار الصدام الجاري على الأرض، أو حتى الاتهامات المتبادلة بين موسكو وأنقرة، إذ أن الصورة لا تكتمل دون معرفة ما تريد واشنطن ومعها الأطلسي من الأزمة السورية في المرحلة المقبلة.