جدل التشابه والاختلاف بين الإدارة المحلية والإدارة الذاتية

خورشيد دلي
 

غالبا ما تنشأ الحاجة إلى اللامركزية في الإدارة والحكم، لأسباب تتعلق بضرورة تنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم أو المحافظات أو الأطراف، وهي أسباب تتراوح بين البعد الجغرافي واختلاف الهوية (الدينية – القومية – الطائفية – الثقافية) وصولا إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، لها علاقة بكيفية تحقيق التنمية، وممارسة الديمقراطية، والمشاركة المحلية في الحياة العامة، وتوزيع الثروة بشكل عادل، وتحفيز الكفاءات، وتعزيز التنافسية، بما يؤدي كل ذلك إلى الحد من المركزية التي غالبا ما تحصر السلطة في شخص معين أو حزب سياسي أو قومية أو دين أو حتى مؤسسة عسكرية.
 

واللافت أن مفهوم اللامركزية سواء بشكله الاتحادي أو الكونفيدرالي أو الفدرالي أو حتى الحكم الذاتي، قطع شوطا طويلا في الدول المتطورة ولاسيما في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وعلى مستوى منطقتنا في الإمارات العربية المتحدة، فيما معظم دول منطقتنا تنظر بعين سلبية إلى مفهوم اللامركزية في الحكم، فالحكم المركزي الذي تشكل في دول منطقتنا بعد الاستقلال، ينظر بعين الريبة إلى أشكال الحكم المحلي، وغالبا ما ينظر إليه بوصفه مؤامرة من الدول الغربية تهدف إلى تقسيم دول المنطقة، فيما تاريخ المنطقة، ولاسيما بعد توسع الدول الإسلامية كما في العهد الراشدي والعباسي وحتى العثماني شهد نماذج مهمة من حكم الولايات والذي كان قريبا لمفهوم الفدرالية في يومنا هذا، حيث كانت صيغة الحكم بين المركز وهذه الولايات تقوم على دعامتين أساسيتين، هما الولاء للحاكم ودفع الضرائب، مع إعطاء صلاحيات واسعة للحكام المحليين في إدارة شؤون ولاياتهم على مختلف الصعد، وقد وصل الأمر بالحكام إلى تشكيل مجالس محلية  للحكم.             
                

في معرض الحديث عن جهود للتوصل إلى اتفاق حل بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، جرى الحديث عن مفهومين للحل، قانون الإدارة المحلية الذي تطرحه الحكومة السورية، حيث صدر هذا القانون بمرسوم تشريعي في عام 2011، وقد عرف بالقانون رقم (107)، ودخل حيز التفنيذ عام 2012، وهو يؤسس لشكل من أشكال القانون الإداري المتعلق بإدارة البلديات على أساس خدمي ومالي، فيما مفهوم الإدارة الذاتية أوسع، إذ له جوانب إدارية واجتماعية وثقافية وسياسية في المناطق الواقعة تحت نفوذ هذه الإدارة، ولعل اختلاف المفاهيم هنا، له علاقة بالجوانب القانونية والدستورية، إذ لكل مصطلح دلالاته المحددة والتي بموجبها تحدد الصلاحيات ومداها.

صحيح أن الإدارة المحلية كمفهوم، لها شخصية اعتبارية إدارية ومالية، ولكن هذه الشخصية مفوضة من المركز أو من يمثله في المحافظة، بمعنى أنها في النهاية تتبع للمجلس الأعلى للإدارة المحلية والذي يتألف بشكل أساسي من وزير الإدارة المحلية والبيئة والمحافظ في كل محافظة، في حين مفهوم الإدارة الذاتية أوسع من ذلك وعلى درجة كبيرة من الاستقلالية في الإدارة والخطط والميزانيات.                                              
 

في جدل النقاط المتداخلة بين الإدارة المحلية والإدارة الذاتية، تبدو الأولى خاضعة لقيود متداخلة، وسلطاتها إدارية فقط وتحدد من قبل المركز مسبقا، فيما الإدارة الذاتية غير خاضعة لمثل هذه القيود، وكثيرا ما تضع هي سياستها المحلية وخططها بعد أن تقدمها للمركز في إطار الشراكة وليس كمجرد جهة منفذة. وعليه يمكن القول إن الإدارة المحلية لها سلطة مفوضة وتكاد تنحصر في الجوانب الإدارية، فيما سلطة الإدارة الذاتية مكتسبة، وهو ما يعد منجزا سياسيا وإداريا معا. 

 

​​​​​​في الجدل أيضا، أن المركز ومن خلال تركيزه على الجانب الإداري فقط، لا يقدم أجوبة على قضايا التنوع الثقافي والسياسي المتعلقة بتعدد الهويات، فيما الإدارة الذاتية تقدم نفسها على أنها قادرة على التعبير عن هذا الجانب، وتحقيقها في إطار الدولة المدنية القائمة على التعددية والديمقراطية.

 

في الواقع، ثمة اختلافات كبيرة لجهة المفاهيم، وفي الأساس حتى الإدارة المحلية لها أكثر من مفهوم، هل هي مجرد إدارة محلية أم حكم محلي؟. وكذلك الأمر بالنسبة للإدارة الذاتية. وما هي علاقة هذه الأنماط من الحكم بالمركز، وما مدى تأسيس ذلك للامركزية في الحكم؟ وهل مفهوم هذه اللامركزية هو إداري فقط أم سياسي أيضا؟ في جميع الأحوال، هذه الأسئلة وغيرها، تشير إلى جملة من المسائل المهمة بخصوص اللامركزية، لعل أهمها:   

                                                                  

الأولى: تحديد الشكل المحلي للحكم، وإقرار ذلك في الدستور، كي يصبح هذا الحكم حقا مكتسبا وفق القانون والدستور، وبالتالي خلق مسار سياسي يقدم أجوبة الديمقراطية والتغيير.

 

الثانية: تحديد المهام الإدارية والسياسية لحكم الإدارة المحلية أو الإدارة الذاتية بشكل واضح، ومثل هذا الأمر مهم جدا، لتحديد السلطات والصلاحيات وكذلك الجوانب القانونية للجوء إليها قضائيا عند النزاعات أو تضارب الصلاحيات.

الثالثة: مدى اللامركزية سواء في الإدارة المحلية أو الإدارة الذاتية، ومدى التناسب بين الجانبين الإداري والسياسي.

 

دون شك، هذه الجوانب والإشكاليات والتداخلات بين مفهومي الإدارة المحلية والإدارة الذاتية، هي نقاط مهمة للبحث عن أي حل سياسي أو توافق بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وهي قضايا ينبغي التقرب منها بعقل مفتوح بعيدا عن الأفكار المسبقة، والنظرات الضيقة، تطلعا إلى دولة تعددية مدنية تحقق الاستقرار والنمو والتعايش لشعوبها.