فلسطين – NPA
مرّت قرابةُ ثلاثة أيام على ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية حول رسائل “الغضب” المتبادلة بين فرنسا وإسرائيل، على إثر مطالبة باريس لتل أبيب بضرورة التراجع عن خطوة اقتطاع مستحقات عائلات “الشهداء” والأسرى الفلسطينيين من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة في رام الله.
ومنذ أن أُعلن النبأ عن هذا التوتر بين الجانبين، لم يرد أي تعليق إسرائيلي رسمي، بالرغم من التسريب الإعلامي عن احتجاج فرنسا المذكور، ثم رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، برسالة غاضبة عبر قوله “إن ذلك يأتي في سياق تطبيق قانون “الكنيست” (مجلس النواب لدولة إسرائيل)؛ لدوافع أمنية إسرائيلية”.
يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان لوكالة “نورث بريس”، أن التوتر هو سيد الموقف الآن بين تل أبيب وباريس، لكن هذا لم يصل إلى مستوى الاشتباك “الإعلامي” العلني، بل بقي وراء الكواليس؛ رغبة في المحافظة على العلاقات بين البلدين.
ويقول “أعتقد أن ما يقوم به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، هو تدخل بالشؤون الأمنية لإسرائيل، فيما الأخيرة لا تتدخل بما يجري في فرنسا من تظاهرات للسترات الصفراء”.
ويشدد نيسان على أن العلاقات بين إسرائيل والدول الأوروبية مستمرة، على الرغم مما وصفها بـ “المواقف المعادية لإسرائيل من قبل الاتحاد الأوروبي، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو المسألة الإيرانية”.
وحول ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستتراجع عن قرارها بخصم الأموال من “المقاصة الفلسطينية”، استبعد ايلي نيسان أن يتم ذلك، باعتبار أن “الحكومة الجديدة ستكون ذات مواقف متشددة أكثر من سابقتها، بالنظر إلى طبيعة الشخصيات اليمينية التي ستنضم إلى الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو”.
في المقابل، يفسر مستشار رئيس السلطة الفلسطينية للشؤون الخارجية نبيل شعث، الأسباب التي جعلت فرنسا في مقدمة الدول الأوروبية المحتجة بشكل أكبر على الخطوة الإسرائيلية بشأن أموال الضرائب الفلسطينية، قائلاً “يجب أن أذكّر أولاً أن الاتفاق الذي يحكم العلاقة الاقتصادية بيننا وبين إسرائيل هو الاتفاق الذي أُبرم قبل ربع قرن في باريس”.
وأضاف شعث أنه لا يجوز لإسرائيل أن “تسرق أموال الفلسطينيين تحت عنوان بروتوكول باريس، وهذا السبب المباشر الذي أدى بفرنسا أن تتخذ هذا الموقف الصلب في وجه تل أبيب”.
ويطالب شعث فرنسا أن تتابع هذه القضية ولا تكتفي فقط بالاحتجاج، خاصة وأن ذلك تسبب بضائقة مالية صعبة للسلطة الفلسطينية، وحذرت قيادة السلطة في رام الله من أن ذلك سيؤدي إلى انهيارها الحتمي إذا لم يتدخل أحد.
وعبر شعث عن تمنيه أن تؤدي “الغضبة الفرنسية” إلى ترجمة المواقف الأوروبية إلى قرارات عقابية ضد إسرائيل عبر “الكثير من الوسائل العقابية”. ويتابع “أوروبا هي القارة الأولى التي تقيم تجارة كبيرة مع إسرائيل حيث أن معظم تجارة الأخيرة تكون معها”.
ويعتقد نبيل شعث “إذا استطعنا بالتعاون مع فرنسا أن نحول هذه الغضبة إلى عقوبات، فإننا نكون حقيقة قد اخترقنا حاجزاً هاماً في مواجهة اسرائيل”.
ولكن.. ما إمكانية ذلك؟
يجيب شعث: “هناك إمكانية على الأقل بالتهديد بالعقوبات الأوروبية وليس اتخاذها عملياً، بالتوازي مع إجراءات من شأنها أن تُشعر إسرائيل أنها لا تستطيع أن تستمر في اغتيال كل الاتفاقيات ومعها القانون الدولي. ولذلك نحن سنواصل العمل مع الفرنسيين في هذا الموضوع”.
وعن الموقف الأوروبي ككل، يؤكد نبيل شعث أنه يتمثل بالاحتجاج وعدم الموافقة على الخطوة الإسرائيلية، لكنه يعتبر أنه “لم يصل لمستوى الموقف الفرنسي..علينا أن نستمر بالمحاولة”.
وحسب مصادر أوروبية, يعمل الاتحاد الأوروبي على معالجة الأزمة بعيداً عن الإعلام؛ بغية إيجاد تسوية معينة للأمر.
وكشفت المصادر أن الأطراف الأوروبية طلبت من السلطة الفلسطينية العمل على أفكار لحل أزمة الضرائب الفلسطينية، وألّا تكتفي فقط برفض تسلم الأموال منقوصة. ولعل هذه النقطة تبدو أنها مثار خلاف “صامت” بين السلطة وأوروبا، فالأخيرة تريد منها أن تقبل تسلم بقية أموال الضرائب من إسرائيل، بموازاة المطالبة باسترجاع ما تخصمه من رواتب عائلات “الشهداء” والأسرى الفلسطينيين.
ولعل مرد القلق الأوروبي هو تسبب الوضع المالي الصعب للسلطة الفلسطينية بانهيارها، وهو الأمر الذي تخشاه إسرائيل والمجتمع الدولي معاً. فهذه الحالة ستتسبب بانفجار الأمور.
وكان نتنياهو نفسه ومعه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يرفضون الخصم من أموال الضرائب الفلسطينية خوفاً على انهيار السلطة، لولا اضطرار نتنياهو لاتخاذها بعد تزايد ضغط اليمين عليه؛ رداً على عملية نفذها شاب فلسطيني من الخليل قبل شهرين أدت إلى قتل إسرائيلية في القدس الغربية.
و أقدم نتنياهو على الخطوة- بعد تأجيل مستمر- كدعاية انتخابية للفوز بانتخابات الكنيست التي جرت في التاسع من أبريل/نيسان الجاري، لضمان أصوات اليمين وعدم خسارة أي منها.
وتعتقد السلطة الفلسطينية أن الخصم الإسرائيلي من أموال المقاصة الفلسطينية، يندرج في سياق الإبتزاز والضغط المالي الإسرائيلي والأمريكي الذي تتعرض له من أجل القبول بصفقة “القرن” التي أعدتها الإدارة الأمريكية وتعتزم الإعلان عنها في يونيو-حزيران المقبل، لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فالفلسطينيون يعتبرون الصفقة تصفية لقضيتهم، “لا محال”.
في غضون ذلك، وضمن محاولات السلطة الفلسطينية لمواجهة أزمتها المالية، قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، الثلاثاء، إن القيادة الفلسطينية تبحث عن إمكانية تحصيل قروض من دول أخرى “غير عربية مقتدرة مالياً”؛ حال لم تتوفر المساعدات من الدول العربية ضمن شبكة “الأمان المالية” التي تمخض عنها اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل أيام.
وقال المالكي في لقاء تلفزيوني إنه “يمكن أن نحصل على القروض بضمانة الأموال الموجودة لدى الجانب الإسرائيلي”. وأضاف “نتحدث عن الصين واليابان وكوريا الجنوبية والتي يمكن أن توفر لنا قروضاً مالية”.
ووفق المالكي، فإن السعودية فقط من بين الدول العربية، لا تزال ملتزمة بدفع ما عليها من التزامات مالية تجاه السلطة الفلسطينية، متابعا “سنستمر في مساعينا مع الدول العربية من أجل توفير شبكة الأمان المالية”.