خاص – NPA
قبل يوم من تعطيل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قرار الكونغرس بقطع الدعم عن التحالف العربي في اليمن، الثلاثاء الماضي، حدث تطور آخر لم يتم الإعلان عنه سوى أمس (الجمعة). فقد أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً مفاجئاً بقائد قوات شرق ليبيا، المشير خليفة حفتر، الذي يقود قطعات عسكرية يطلق عليها اسم “الجيش الوطني الليبي”، من مقره في بنغازي، ويحظى بدعم عدد من الدول الإقليمية، على رأسها الإمارات ومصر والسعودية، فيما يتلقى خصوم حفتر في طرابلس العاصمة، الدعم من قطر وتركيا.
أثار تأخر البيت الأبيض في الإعلان عن المكالمة الهاتفية، تساؤلات عديدة، بخصوص دوافع الرئيس الأمريكي، في إجراء اتصال هاتفي بقائد عسكري ينخرط في حرب أهلية طاحنة. فمضمون المكالمة فاجأت المتابعين، حيث لم يذكر البيان الأميركي أن ترامب طالب بالتهدئة، بل كلمات يفهم منها تزكية لمعسكر حفتر والإمارات ومصر والسعودية.
وذكر بيان البيت الأبيض أن ترامب “أقر بالدور الجوهري للمشير في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية، وتناولا رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر”.
ويمنح موقف ترامب مزيداً من الزخم للهجوم الذي يشنه حفتر على طرابلس، ما قد يعني إطالة أمد الحرب، وضربة جديدة للمساعي الأممية وقف الحرب وإعادة الفرقاء إلى المسار السياسي المعطل.
وفي مفارقة نادرة، تقف كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، في معسكر واحد يرفض تحميل قوات حفتر المسؤولية عن تدهور الأوضاع. وبعد أسبوع من إحباط فرنسا بياناً أوروبياً مشتركاً، رفضت روسيا، الخميس، الموافقة على مشروع قرار صاغته بريطانيا لأنه يلقي باللائمة في اندلاع العنف في الآونة الأخيرة على حفتر، بينما امتنعت واشنطن عن تحديد موقفها في العلن.
ويقول مراقبون إن تباين المواقف الدولية، واتخاذ بريطانيا موقفاً مخالفاً لواشنطن، في الأزمة الليبية، تقف وراءه مصالح اقتصادية كبيرة، خصوصاً شركات النفط العملاقة (بريتش بتروليوم – إيني الإيطالية – توتال الفرنسية) فضلا عن عقود عسكرية واستثمارات ضخمة تسعى لها روسيا.
وتزامن الإعلان الأميركي عن المكالمة الهاتفية، مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، واشنطن، ولقائه كلا من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون. ولم يتطرق البيان الإماراتي، عقب المحادثات، إلى الملف الليبي أو تطورات الموقف في السودان، وركز على مناقشة الأزمة في اليمن.
ورحبت دولة الإمارات “بالتعاون المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن لمجابهة الحوثيين المدعومين من إيران وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي شن العديد من الهجمات على المواطنين والمصالح الأمريكية” وفق بيان نشرته وكالة أنباء الإمارات (وام).
أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مورغان اورتاغيوس، فقد ذكر في إيجاز صحفي، أن الجانبين بحثا سبل تحقيق الاستقرار في ليبيا والسودان وسبل مواجهة أنشطة النظام الإيراني المزعزعة لاستقرار المنطقة”.
ورغم اكتساب قوات حفتر دعماً دولياً في الآونة الأخيرة، إلا أن تحدياً ميدانياً قد يضعف هذا الزخم الذي يحظى به. فالتقدم على الأرض قد توقف جنوب طرابلس، ولم تنجح قوات شرق ليبيا في كسر دفاعات محصنة للمجموعات الموالية لحكومة الوفاق، المدعومة من قطر وتركيا. وفي حال استمرار حالة الجمود العسكري، وعجز الجيش الوطني عن اقتحام طرابلس، أو محاصرتها، فإن الداعمين الدوليين، وفي المقدمة واشنطن، قد يجدون أنفسهم مضطرين لدعوة حفتر إلى العودة لقواعده في الشرق الليبي.
ويربط بعض الخبراء بين المعارك في ليبيا والأزمة السياسية في الجزائر. فالأخيرة كانت قد رسمت خطاً أحمر للمشير خليفة حفتر بعد الاقتراب من طرابلس، حيث تخشى الجزائر من تفاقم الفوضى على حدودها الغربية الطويلة مع ليبيا، غير أن التظاهرات الشعبية التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وانشغال الجيش الجزائري بترتيبات الانتقال السياسي، فتح المجال أمام حفتر لشن الهجوم بشكل سريع ومباغت.
وطالما الأزمة في الجزائر مرشحة للتصاعد، فلدى المشير حفتر المزيد من الوقت للمحاولة في اختراق العاصمة.