كيف أبعد البشير “المحاور الإقليمية” عن دعم الاحتجاجات ضد حكمه؟

خاص – NPA 
اكتسبت الاحتجاجات في السودان ضد نظام  الرئيس عمر البشير، زخماً قوياً بعد نجاح الحراك الجزائري في إحداث تغيير في نظام الحكم وإعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استقالته.
ويشهد السودان احتجاجات منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما رفعت الحكومة أسعار الخبز وتحولت الاحتجاجات إلى أكبر تحد للبشير.
وبينما حافظت مؤسسة الجيش في الجزائر على تماسكها خلال الأزمة، فإن بوادر الانقسام تحوم حول الجيش السوداني الذي يعد المركز الفعلي لحماية النظام. وأكد وزير الدفاع الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف، امس، أن القوات المسلحة لن تسمح بإحداث “شرخ في القوات المسلحة وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية بالبلاد”. وجاء تصريح الوزير السوداني بعد أن ركز المتظاهرون تحركهم باتجاه طلب الدعم من الجيش، وحدوث صدام محدود بين جنود من الجيش وعناصر من الأمن.
وبينما تتشابه تركيبة الحكم في الدول العربية، من حيث مركزية الجيش في حماية الأنظمة، إلا أن هناك ما يمكن وصفه بـ”الاستثناء السوداني” الذي يصعّب من القدرة على التنبؤ في مسار الأحداث. فالمعادلة الداخلية للحكم معروفة، وهي شبكة مصالح تجمع بين حزب المؤتمر الحاكم، والتيار الإسلامي الإخواني، إلا أن المعادلة الخارجية في العلاقات السودانية فريدة من نوعها. فما هو موقع السودان إقليمياً ؟ وهل يوحي ذلك بإمكانية دعم خارجي للاحتجاجات أو النظام الحكام ؟
عمل الرئيس السوداني عمر البشير، في السنوات الأخيرة من حكمه، خصوصاً منذ اندلاع احتجاجات ما يسمى “الربيع العربي”, على الاستثمار في شبكة متناقضة من العلاقات الإقليمية والدولية، لا تحمل أي من هذه العلاقات بعداً استراتيجياً، بسبب اعتماد الخرطوم على التوازن بين الخصوم. لذلك، يوصف الاستثمار السوداني في السياسة الخارجية بأنه تكتيكي مكرس لحماية النظام، وهو توجه نادر في العلاقات الدولية، إذ ليس حيادياً، فهو عقد اتفاقاُ مع تركيا التي حصلت على عقد تطوير جزيرة سواكن السودانية، في نهاية العام 2017.
ويعتبر ميناء سواكن الأقدم في السودان ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان. وتحدث الرئيس التركي ، رجب طيب أردوغان، قبيل زيارته الخرطوم، التي تزامنت مع التسليم، أن “هناك ملحقاً لن أتحدث عنه الآن” في الاتفاقية، وهو ما أثار تكهنات بإقامة قاعدة عسكرية تركية في الجزيرة الواقعة في البحر الأحمر.
كما يرتبط النظام السوداني بعلاقات مع قطر. وكان لافتاً أن البشير اختار قطر كأول وجهة له بعد اندلاع الاحتجاجات، ليضمن ولاء جماعة الاخوان المسلمين، الذين يعدون شريكه الرئيس في الحكم.
وفي خطاب له في 9 يناير/ كانون الثاني، وجه البشير الشكر إلى دولة الإمارات بسبب جهود الأخيرة في “دعم استقرار السودان” على حد تعبير البشير.
ويشارك السودان في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، الذي تقوده السعودية والإمارات، ضد الحوثيين. وساهمت القوات السودانية في تحقيق الشرعية انتصارات كبيرة في مناطق الساحل الغربي لليمن، على البحر الأحمر. يذكر ان التحالف العربي قد طرد قطر من التحالف بعد اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو 2017.
ورغم ان الخرطوم كان حليفاً تاريخياً للنظام الإيراني، إلا أن المكاسب التي لاحت له من السعودية دفعته لإعلان قطع العلاقات مع طهران، مطلع عام 2016 “تضامناً مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في مواجهة المخططات الايرانية”، وفق بيان الخارجية السودانية.
وفي خطوة مفاجئة، قام البشير بزيارة إلى دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، نهاية العام الماضي، ثم قام بزيارة إلى موسكو والتقى الرئيس فلاديمير بوتين.
ضمن هذه الشبكة المعقدة من العلاقات، يدير البشير علاقات الدولة الخارجية في حقل ألغام التوترات الإقليمية. ووجه الغرابة في هذا المسار أن هذه العلاقات تشبه ما يمكن تسميته “توزيع الأرباح على المحاور الإقليمية مقابل أن لا يكون السودان جزءاً أساسياً من هذه المحاور”، فعلاقاته المتقدمة مع قطر وتركيا لا تضعه في محور الدول الداعمة لجماعة الإخوان، ووقوفه مع التحالف العربي في اليمن لا يصنفه ضمن دول ما يسمى “الاعتدال العربي”.
قبل اكثر من عام، قدم وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية، عطا المنان بخيت، رؤية بلاده للعلاقات الخارجية، فقال إن “علاقات السودان الخارجية قائمة على المصالح المشتركة وليست على سياسة المحاور التي انتهت”.
ما تكشفه الاحتجاجات الحالية في السودان، والمطالب بإقالة الفاسدين، وعلى رأسهم البشير، وفق بيانات قادة الحراك الشعبي، فإن الحراك السوداني قد يتأخر حتى يحصل على نتيجة إيجابية. فالمحاور الإقليمية ما زالت تقيّم حصصها في السودان في حال الإطاحة بنظام البشير. وقد تكون خيبة الحراك السوداني في أن سياسة البشير في “توزيع الأرباح على المحاور” توافق القوى الإقليمية المتناقضة على استمرار النظام الذي يخدم كل هذه القوى جزئياً، حتى لو جرت إقالة البشير مقابل الإبقاء على “نظام الحصص”. فالنظام السوداني أقرب إلى “حكومة ائتلافية” تجمع بين الخصوم الإقليميين.