ساسة ونشطاء: حصر المساعدات بمعبر “باب الهوى” تسييس للملف الإنساني وتهميش لشمال شرقي سوريا
القامشلي – زانا العلي – نورث برس
انتقد نشطاء مدنيون وساسة من مناطق شمال شرقي سوريا قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بحصر عمليات إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر "باب الهوى" بريف حلب الشمالي، معتبرين ذلك وسيلة ضغط سياسي من جانب عدد من الدول الأعضاء في المجلس على المسار الإنساني، تأتي بهدف تقوية موقف الحكومة السورية.
ويأتي ذلك في وقت يتم فيه تجاهل حاجة مناطق شمال شرقي سوريا إلى المساعدات الإنسانية مجدداً بعد ستة أشهر من إغلاق معبر تل كوجر/ اليعربية، جراء فيتو روسي صيني مزدوج.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة "برجاف" فاروق حجي مصطفى لـ"نورث برس" إن منطقة شمال شرقي سوريا لم تحظ بما يكفي مما تستحقه في مسار الاستجابة الانسانية.
وأضاف أن الطرف الأكثر اعتراضاً من الدول الأعضاء في مجلس الأمن على إعادة فتح معبر "اليعربية/تل كوجر" هي روسيا التي تضغط، وتستخدم الفيتو، باتجاه أن تكون استجابة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" لصالح دمشق؛ وهي وسيلة ضغط سياسي على المسار الإنساني، وذلك لتقوية موقف الحكومة السورية، ومنحها الفرصة لاستثماره سياسياً.
وبالرغم من مناشدة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إعادة فتح معبر اليعربية / تل كوجر، لما له من أهمية إنسانية لمنطقة تعج بتجمعات النازحين، عدا تعاطف مسؤولي الاستجابة في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى وجود رغبة في الاستجابة لدى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "اوتشا" في الأردن، إلا أن موقف روسيا والصين كان أكثر تأثيراً.
وأشار "حاج مصطفى" إلى أن مقترح مشروع الاستجابة الأخير للتمديد، لم يتضمن أصلاً فتح معبر "اليعربية/تل كوجر"، إنما ركز على التمديد لمعبرين في شمال غرب سوريا ،"ويبدو أنّ ثمّة لوبيات تلعب أدواراً مهمّة ومؤثرة في ذلك"، بحسب قوله.
وسمح قرار صادر من الأمم المتحدة منذ العام 2014 بإرسال المساعدات الإنسانية إلى مناطق سوريا لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية عبر معبري "باب الهوى" و"باب السلامة" الواقعين تحت سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها شمال غربي البلاد، وأيضا عبر معبر تل كوجر/ اليعربية مع العراق، وكذلل معبر "الرمثا" بين سوريا والأردن جنوب البلاد.
نازحون بلا مساعدات
ويقيم في شمال شرقي سوريا أكثر من أربع ملايين شخص، بينهم أكثر من مليون نازح ووافد قدموا من مناطق سورية مختلفة، منهم مائة ألف من النازحين المقيمين في أحد عشر مخيماً، إضافة إلى أكثر من /11/ ألفاً من أطفال ونساء مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) الذين يقيمون في مخيم الهول. بحسب بيان لـ121 منظمة ومؤسسة مدنية في شمال شرقي سوريا طالبوا بتقديم المساعدات في نيسان/ أبريل الماضي.
في السياق ذاته يوضح كادار شيخموس المدير التنفيذي لمنظمة "شار" لـ"نورث برس" إن أغلب المواد الغذائية والمساعدات التي تخصص لمناطق شمال شرقي سوريا من الامم المتحدة، كانت تمر عبر مكتب "اوتشا" في دمشق، "لكنها لم تكن تغطي كامل مخيمات النازحين في شمال شرقي سوريا". مشيراً إلى أن أغلب المساعدات الإنسانية الفعلية هي من"منظمات دولية بتمويل من خارجيات دول تعمل بشكل منفصل عن منظومة الأمم المتحدة".
وقال "حاج مصطفى" إن الاستجابة عندما تكون من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في دمشق، فهي تكون استجابة هشة، وغالباً تتأثر بالمجريات والمواقف السياسية، كما يلعب المزاج السياسي دوراً كبيراً فيها.
ويضيف: "رغم أن هناك انتشاراً كثيفاً لتجمعات النازحين في مناطق شمال شرقي سوريا، إلا أنهم لم يتلقوا استجابة كافية لاحتياجاتهم، إذ أن هناك أكثر من /10/ تجمعات للنازحين.
وكانت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" قد نصبت على عجل عقب الهجوم التركي أواخر العام الفائت، /1700/ خيمة، لتأوي/12000/ نازحاً من بينهم/ 5000/ طفل في قرية توينة بريف الحسكة لتحوله فيما بعد إلى مخيم واشوكاني لنازحي منطقة سري كانيه، ولكن المخيم حرم من المساعدات الإنسانية نتيجة منع السلطات الحكومية السورية للمنظمات الإنسانية الدولية التي تتلقى موافقتها من دمشق، من تقديم أية مساعدات بحجة اعتبار مقيمي هذه المخيمات ليسوا لاجئين، كما أنهم ليسوا نازحين تنقلوا بين محافظتين، وفق إدارة المخيم.
"تخفيف تداعيات قيصر"
الاتهام بتوظيف المسألة الإنسانية سياسياً سبق أن أشار إليه نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد في تصريح سابق لـ"نورث برس"، إذ قال إن الأطراف التي طرحت مشروع القرار الأخير، وكذلك الذين استخدموا حق النقض "غير بريئين ومنحازين إلى أجندات سياسية.
واعتبر أن "هذه الأجندات لا تمت إلى المقررات والمواثيق الدولية المتعلقة بضرورة وصول المساعدات الانسانية الى كافة مناطق النزاع دون تمييز، بصلة "، على حد قوله.
وأضاف "جيا كرد" أن الملف الإنساني في سوريا يتجه نحو مزيد من "التعقيد والتسييس"، وإن الإقصاء "الممنهج" لمناطق شمال شرقي سوريا من برنامج الدعم الانساني، "يفتح الأبواب أمام كارثة إنسانية في ظل انتشاء وباء كورونا".
في السياق ذاته يقول الناشط المدني، فاروق حاجي مصطفى، إن إغلاق معبر اليعربية/تل كوجر أكبر دليل على توّظيف المسألة الإنسانية سياسياً، كما أن الفيتو الذي استخدم قبل أيام كان هدفه سياسي، يسعى إلى تحويل مصادر الاستجابة كلها لتكون من دمشق، ما يعني شكل من أشكال تخفيف تداعيات قانون قيصر على الحكومة السورية.
واعتبر عضو هيئة الرئاسة في المجلس الوطني الكردي في سوريا، سليمان أوسو، اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً، يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر "باب الهوى"، محاولة من روسيا للإبقاء على "النظام السوري" ودعمه من خلال ملف المساعدات الإنسانية.
وبدوره أشار الناشط المدني كادار شيخموس، إلى أن مناطق شمال شرقي سوريا لم يسبق لها أن استفادت من المساعدات التي كانت تأتي من معبر "باب الهوى" طوال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، كما أن حصر إدخال المساعدات الإنسانية عبر هذ المعبر يعني تهميش المنطقة من المساعدات الإنسانية، ويحيلها إلى وسيلة ضغط سياسي على المسار الإنساني.
استمرار التهميش
وكانت /121/ منظمة ومؤسسة محلية ودولية عاملة في مناطق شمال شرقي سوريا قد طالبت مطلع نيسان/ ابريل الماضي الأمم المتحدة بضرورة إدخال المساعدات الطبية إلى المنطقة لمواجهة فيروس "كورونا".
ويلفت الناشط المدني كادار شيخموس إلى أنهم سبق أن حاولوا في أكثر من مناسبة بالتعاون مع العديد من المنظمات المحلية النشطة في شمال شرق سوريا وفي أكثر من لقاء مع ممثلين عن وزارة خارجيات عدد من الدول المعنية بالشأن السوري و أيضا مع المبعوث الأممي غير بيدرسن، وكذلك مع جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية في مؤتمر بروكسل الماضي، المطالبة بزيادة المساعدات بناءً على احتياجات المنطقة وعدم الاستمرار في تهميش شمال شرق سوريا، لكن من دون جدوى.
وأضاف أن من ضمن المطالبات التي تقدموا بها كانت الدعوة إلى تفعيل مكتب "اوتشا" في إقليم كردستان العراق، أو أن يتم تقديم المساعدات عبر مكتب "اوتشا" في عمان، ليتولى إرسال المساعدات إلى شمال شرق سوريا بعيداً عن مكتبي "اوتشا" في غازي عنتاب أو دمشق، لتحاشي إمكانية أن يتم استثمار إدخال المساعدات كوسيلة ضغط سياسية على السكان، ولكن لم يتم تمديد فتح معبر "تل كوجر"/ اليعربية.
ويوضح فاروق حاجي مصطفى إن غالبية الرسائل التي كانوا يتلقونها من الجهات المعنية والأممية كانت شفهية أو خطيّة، إذ ينفي الناشط المدني أن تكون الأمم المتحدة هي من أغلقت معبر "اليعربية/تل كوجر"، ذلك أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي هي من تمتلك القرار في مثل هذه المسائل، بينما يرى موظفو الاستجابة الإنسانية أهمية فتح معبر "اليعربية/تل كوجر"، وهناك خطابات واضحة من قبلهم.